رفع قيمة الريال وعائدات النفط: المنافع والمساوئ

[email protected]

"كلما ارتفع الريال، سافر السعوديون إلى مناطق أبعد".

نتيجة ربط الريال بالدولار، أدى انخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسة الأخرى إلى تخفيض قيمة الريال، علما بأن الوضع الاقتصادي في السعودية يعطي الريال قيمة أكبر من قيمته مقدرة بالدولار بسبب النمو الاقتصادي القوي، وزيادة الفائض في الميزان التجاري نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وارتفاع رصيد المملكة من الاحتياطيات الأجنبية. لهذا السبب انبرى عدد من المتخصصين والكتاب إلى الدعوة إلى رفع قيمة الريال بالنسبة إلى الدولار أو تعويم الريال، متجاهلين أثر هذا الارتفاع في عائدات النفط. تعويم الريال سيؤدي إلى رفع قيمته، ولكن للتعويم مخاطر كبيرة، خاصة في الاقتصادات التي تعتمد على مصدر رئيس للدخل مثل النفط. لهذا سيتركز الحديث على منافع ومساوئ رفع قيمة الريال، التي يمكن لباحثي "ساما" وكبار البنوك تقديرها لمعرفة الأثر الصافي لرفع سعر الريال مقابل الدولار، علما أن ما ينطبق على الريال السعودي ينطبق على الدرهم الإماراتي أيضاً.

منافع رفع سعر صرف الريال
1 ـ انخفاض أغلب أسعار السلع المستوردة من أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، الأمر الذي يسهم في تخفيض مستويات التضخم في المملكة. يعتمد مدى انخفاض أسعار الواردات في هذه الحالة على مقدار رفع سعر الصرف، علماً أن كمية الرفع يجب أن تكون منطقية ومعقولة بحيث تعكس الوضع الحقيقي للريال في أسواق الصرف العالمية، وإلا سيكون سعر صرف الريال بالنسبة إلى الدولار أكبر من قيمته الحقيقية.
2 ـ بناء على الفكرة السابقة، سيؤدي رفع صرف الريال بنسبة كبيرة إلى تحول كبير في الاقتصاد لأن هذا الرفع سيؤدي إلى زيادة نسبة الاستهلاك في الناتج المحلي على حساب قطاع الصادرات. بعبارة أخرى، رفع سعر صرف الريال سيحول جزءاً من عبء النمو الاقتصادي من الخارج إلى الداخل، وهو أمر مرغوب للتخفيف من أثر تقلبات أسعار النفط والصادرات الأخرى في الاقتصاد السعودي.
3 ـ انخفاض تكاليف المشاريع الضخمة والمدن الاقتصادية التي تعتمد في بنائها وتشغيلها على الواردات عما كان مخططاً، الأمر الذي ربما يسهم في إنعاش أسهم بعض الشركات المرتبطة بهذه المشاريع.

4 ـ انخفاض تكاليف سفر السعوديين للخارج، الأمر الذي سيخفض تكاليف الشركات المحلية التي ترسل مسؤوليها ومندوبيها للخارج. كما سينتج عن رفع قيمة الريال تخفيض تكاليف السياحة للعائلات السعودية، بخاصة في أوروبا. ويمكن تحوير عبارة قيلت في السابق عن اليابان بالقول "كلما ارتفع الريال، سافر السعوديون إلى مناطق أبعد".
5 ـ انخفاض تكاليف الطلاب المبتعثين إلى الولايات المتحدة بنسبة رفع قيمة الريال نفسها بالنسبة للدولار، وانخفاضها بنسب متفاوتة بالنسبة للطلاب المبتعثين في الدول الأخرى.
6 ـ ارتفاع القيمة الشرائية لتحويلات العمال الوافدين في بلادهم، بخاصة إذا كانت هذه البلاد تربط عملتها بالدولار. رفع قيمة الريال يعني لبعض الوافدين رفع الأجور تلقائياً، دون أن تزيد تكاليف الشركات والمنشآت السعودية.
7 ـ ارتفاع قيمة أصول وعوائد الشركات الأجنبية العاملة في المملكة, التي أدخلت استثماراتها للسعودية بالدولار. الأمر نفسه ينطبق على المستثمرين السعوديين الذين حولوا استثماراتهم إلى داخل المملكة في الأعوام الثلاثة الماضية.

8 ـ تخفيض الضغط عن مؤسسة النقد (البنك المركزي في السعودية), فالمحافظة على سعر صرف الريال تتطلب شراء الدولارات وطبع المزيد من الريالات، الأمر الذي يسهم بدوره في رفع معدلات التضخم.
9 ـ تحقيق عوائد مفاجئة للمؤسسات والأفراد التي اقترضت بالدولار، سواء من البنوك المحلية أو الأجنبية. فرفع الريال سيخفض من حجم الديون الحكومية الخارجية، كما أنه سيخفض من حجم ديون الشركات التي استدانت من الداخل بالدولار، أو استدانت من البنوك الأمريكية أو غيرها. وهنا لا بد من التنويه بأن هذه المنافع لن تؤثر في المقرضين لأنهم في النهاية سينظرون إلى الديون على أنها بالدولارات وليس بالريال.
10 ـ إجبار الشركات السعودية التي تعتمد على التصدير على زيادة قدرتها التنافسية وزيادة الإنتاجية.
11 ـ زيادة الاستثمارات السعودية في الخارج, لأن تكاليف هذه الاستثمارات أرخص من قبل.

مساوئ رفع سعر صرف الريال
هناك مساوئ عديدة لرفع سعر صرف الريال مقابل الدولار، بعضها عكس ما سبق ذكره في المنافع.

1 ـ خسارة مئات الملايين من الريالات بسبب انخفاض قيمة برميل النفط السعودي المصدر مقدراً بالريال. مثلاُ، إذا كان سعر برميل النفط العربي الخفيف 50 دولاراً، وسعر صرف الريال 3.75 ريال لكل دولار، فإن سعر هذا البرميل 187.50 ريال. فإذا تم رفع سعر صرف الريال بالدولار 10 في المائة، فإن هذا سيخفض سعر البرميل بنحو 19 ريالاً.
2 ـ خسارة مئات الملايين من الريالات نتيجة انخفاض قيمة الاحتياطيات النقدية الخارجية مقدرة بالريال. مثلاً، إذا كان لدى الحكومة احتياطي نقدي بالدولارات قيمته 800 مليون دولار في بنوك أمريكية، فإن رفع قيمة الريال بمقدار 10 في المائة مقابل الدولار، وبافتراض ثبات كل العوامل الأخرى، سيخفض قيمة هذا الاحتياطي إذا قررت المملكة استرجاعه بنحو 300 مليون ريال، نعم، 300 مليون ريال!
3 ـ انخفاض قيمة الأصول التي يملكها السعوديون والمقيمون في الخارج، مقدرة بالريال السعودي، الأمر الذي سيمنع هذه الاستثمارات من العودة إلى الاستثمار في السعودية.

4 ـ زيادة الاستهلاك، خاصة من السلع المستوردة. إذا قامت عدة دول خليجية برفع أسعار عملاتها وازداد استهلاكها معاً، فإن هذا قد يؤدي إلى رفع أسعار الواردات من بلد المنشأ، وقد لا يسهم رفع سعر الريال - في النهاية - في تخفيض مستويات التضخم بالشكل المرغوب.
5 ـ احتمال انخفاض مستوى الاستهلاك بدلاً من ارتفاعه، خاصة استهلاك السلع المعمرة والكماليات، إذا توقع المستهلكون أن تستمر مؤسسة النقد برفع الريال مع استمرار هبوط الدولار. يعود ذلك إلى أن الانتظار يعني الحصول على السلع نفسها بسعر أرخص. بعبارة أخرى، قد يسهم رفع الريال في إيجاد حالة من الكساد.
6 ـ فقد بعض المنتجات السعودية غير النفطية قدرتها التنافسية خارج السعودية بسبب ارتفاع أسعارها. مثلاً، لو كان سعر الوحدة ثمانية ريالات، فإن رفع قيمة الريال بمقدار 10 في المائة سيرفع سعرها بنحو 22 سنتا أمريكيا. وهنا علينا أن نتذكر أن تشجيع الصادرات هو السبب الرئيس لإبقاء الدولار منخفضاً، وهو أيضاً سبب وقوف الحكومة الصينية في وجه رفع قيمة اليوان الصيني.
7 ـ ارتفاع تكاليف الحج والعمرة على ملايين المسلمين، الأمر الذي قد يمنع البعض، خاصة في الدول التي ستنخفض عملاتها بشكل ملحوظ مقابل الريال، من أداء الحج أو العمرة. هذا يعني انخفاض عوائد الحج والعمرة مقارنة بالسنوات الماضية. إضافة إلى ذلك فإنه سيرفع من تكاليف سياحة الأجانب في السعودية. (و إذا قررت الإمارات رفع سعر صرف الدرهم بأكثر من 20 في المائة كما يتوقع البعض، فإن السياحة في دبي ستتضرر كثيراً).
8 ـ تشجيع سياحة السعوديين والمقيمين في الخارج على حساب السياحة في الداخل، خاصة في ظل معدلات التضخم الحالية.
9 ـ انخفاض نسبي في الاستثمارات الأجنبية الجديدة, حيث إن رفع سعر صرف الريال سيرفع مباشرة تكاليف الاستثمار في المملكة. سيكون التأثير أكبر في الشركات الأجنبية التي تدخل سوق المملكة لأول مرة، مقارنة بالشركات الموجودة منذ زمن طويل واستفادت من ارتفاع قيمة أصولها نتيجة رفع سعر الريال. رفع سعر الريال سيسهم أيضاً في عدم تشجيع بعض المستثمرين السعوديين على تحويل استثماراتهم إلى السعودية.

الخلاصة: أمر رفع سعر صرف الريال بالنسبة إلى الدولار أعقد بكثير مما يتصور أغلب الناس. فهو يتطلب دراسات عميقة من الخبراء في القطاعات كافة وتقدير للأرباح والخسائر في كل قطاع. بعد ذلك تقوم مؤسسة النقد بجمع هذه الدراسات ودراستها بشكل واف بحيث لا تقوم برفع سعر صرف الريال إلا إذا ثبت بشكل قاطع أن صافي المنافع والمساوئ موجباً، وأنه يصب في صالح المملكة ككل، بدلاً من مصلحة قطاعات معنية. إن مراجعة سريعة لما كتب حول موضوع رفع صرف الريال في ظل النقاط المذكورة أعلاه نجد أن الكتاب المؤيدين لرفع صرف الريال ركزوا على المنافع التي يمكن أن يجنيها الأفراد وبعض الشركات من هذا الرفع، وتجاهلوا الخسائر الضخمة التي يمكن أن يتكبدها الاقتصاد كلل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي