Author

تمويل الإرهاب من خلال الشركات والأنشطة التجارية الوهمية

|
أحبط رجال الأمن السعودي الجمعة 10 ربيع الآخر 1428هـ الموافق 27/4/2007م مخططات لعمليات إرهابية كبيرة كانت تستهدف منشآت نفطية واغتيال شخصيات عامة, وأسفرت جهود الأمن السعودي خلال الأشهر الماضية عن سقوط 172 عنصراَ ضالاَ؛ وتم ضبط خلية تتكون من 59 عنصرا ترتبط بمعسكرات وتنظيمات فكرية خارجية, وتقوم بإرسال من يتم التغرير بهم إلى معسكرات تدريب خارجية وتمويلها, وتم تدريبهم على استعمال السلاح والطيران تمهيدا لاستخدامهم في تنفيذ عمليات إرهابية داخل المملكة, وفي سبيل توفير الدعم المالي لهم, عمل هؤلاء على جمع مبالغ مالية طائلة من عدد كبير من الأشخاص الذين غرر بهم بحجة استثمار هذه المبالغ في شركات وهمية, ومن خلال كشف هذه الخلايا والقبض على عناصرها تم ضبط أسلحة متنوعة ومتعددة وأموال مصدرها من الداخل ومن الخارج بلغت أكثر من 20 مليون ريال ووثائق ووسائل اتصال وأجهزة حاسب آلي ووسائط إلكترونية. والحقيقة أن هذه العملية تثير العديد من القضايا المهمة, أهمها قضية تمويل الإرهاب, وهي من أهم القضايا التي توليها الدول اهتماماَ خاصاَ؛ حيث بذلت جهود دولية وإقليمية ووطنية متعددة لمكافحة تمويل الإرهاب. فعلى المستوى الدولي أصدرت الأمم المتحدة عدة قرارات, وأعدت اتفاقية دولية لقمع تمويل الإرهاب في عام 1999م, انضم إليها العديد من دول العالم, وأعد فريق العمل المالي الدولي تسع توصيات موجهة للدول لكي تأخذها في الاعتبار عند إصدار قوانين أو لوائح أو تعليمات تتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب. وبذلت السعودية جهوداَ ملحوظة في هذا الصدد. يُقصد بتمويل الإرهاب أي دعم مالي يقدم إلى الأفراد أو المنظمات التي تدعم الإرهاب أو تقوم بالتخطيط لعمليات إرهابية، وربما يأتي هذا التمويل من مصادر مشروعة كالجمعيات الخيرية مثلاً، أو مصادر أخرى غير مشروعة كتجارة البضائع التالفة أو تجارة المخدرات. ويجوز أن تقع أعمال الإمداد من فرد أو من جماعة أو منظمة أو من إحدى الدول الممولة للإرهاب. ومن أهم خصائص تمويل الإرهاب خاصية الخفاء, إذ يفضل ممولو الإرهاب إخفاء أنفسهم وأنشطتهم المالية حتى يظلوا غير معروفين، وذلك لأن إخفاء مصدر التمويل يساعد على استمراره وبقائه متاحاً لتمويل أي أنشطة إرهابية في المستقبل, ومن ثم تتم عملياتهم فـي سرية تامة, وذلك أيا كانت الوسائل المستخدمة فـيها، ولهذا فإنه من الصعب إثبات ارتباط ممولي الإرهاب بأي أنشطة إجرامية محددة, ولا يحتمل ضبط أعضائها متلبسين بمزاولة عمليات إجرامية. ومن متطلبات السرية فـي أعمال تمويل الإرهاب أن تنقلات الأموال يجب ألا تظهر فـي العلن, فالأموال الضرورية قد لا تأتي من عملية إجرامية, بل تأتي من دول أو منظمات شرعية تستطيع أن تمول النشاطات الإرهابية, فهناك إخفاء للمصدر والمكان الذي تذهب إليه هذه الأموال. كما تتميز التنظيمات الهيكلية لجماعات تمويل الإرهاب بالمرونة, مما يجعلها قادرة على الاستجابة السريعة لتحديات استراتيجيات المكافحة. فهي ذات قدرة كبيرة على التأقلم والتكيف, ويبدو أيضاً أن لبعضها بصيرة استراتيجية ويزاول ممارسات تجارية سليمة، مثل تنويع الأنشطة, والاستفادة من الأسواق الجديدة، وتتميز هذه التنظيمات بالتطور والهياكل التنظيمية ذات المرونة والفاعلية، والأساليب الإدارية الفاعلة، والاستفادة من المستشارين المتخصصين، بل إنها أنشأت فـي بعض الدول برامج للبحث والتطوير, وكان ذلك واضحاً على وجه خاص فـي مجال غسل الأموال الذي يتم استخدامه أو جزء منه فـي تمويل العمليات الإرهابية. وتتميز عمليات تمويل الإرهاب كذلك بتنوع وسائلها؛ فهي لا تقتصر على إمداد الجماعات الإرهابية بالأموال اللازمة للقيام بعملياتها غير المشروعة؛ بل تتناول كذلك الأدوات العينية بما فـي ذلك الأسلحة بمختلف أنواعها، حتى ولو كانت من أسلحة الدمار الشامل، كالأسلحة النووية والكيماوية والجرثومية، وسواء أكانت هذه الأسلحة موجهة لارتكاب جرائم (كالقتل والأذى المادي بالجسم الآدمي) أو ضد الممتلكات العامة (كأعمال التخريب والتدمير للممتلكات العامة والخاصة، والإحراق والإغراق والتهديد بإحداث شيء من ذلك) أو بالإخلال بالأمن العام وتعريض الجمهور والمرافق والممتلكات للخطر. وقد اتضحت هذه الخاصية في العمليات التي تم ضبطها في الأيام الماضية حيث تم إرسال الإرهابيين إلى معسكرات تدريب خارجية وتمويلها, وتم تدريبهم على استعمال السلاح والطيران تمهيدا لاستخدامهم في تنفيذ عمليات إرهابية, وتم ضبط أسلحة متنوعة ومتعددة وأموال بلغت أكثر من 20 مليون ريال ووثائق ووسائل اتصال وأجهزة حاسب آلي ووسائط إلكترونية. فعمليات تمويل الإرهاب تعد منظومة من الإجراءات التي تحول أموالا من مصادر ليست بالضرورة غير مشروعة للقيام بنشاطات إرهابية لها آثار سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية جسيمة. وهي ترتبط غالباَ بجرائم غسل الأموال التي يتم الحصول عليها من مصادر غير مشروعة عبر المصارف, لهذا فإن مكافحة جرائم غسل الأموال تعد ضرورية للتعرف على أحد أهم مصادر الأموال غير المشروعة التي يتم استخدامها في عمليات تمويل الإرهاب مما يسهل مكافحتها. وتزداد أهمية مكافحة تمويل الإرهاب فـي ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم اليوم، وما ترتب عليه من إدخال التقنية الحديثة فـي جميع المجالات الصناعية والإدارية والتجارية، لهذا فإن مكافحة عمليات تمويل الإرهاب تتطلب توافر قوى بشرية ذات مواصفات وسمات خاصة من حيث الإلمام بالمعلومات والقدرة على التعامل مع أجهزة الحاسب الآلي والآلات والأجهزة الحديثة, ويجب أن يتم تدريبها بصفة دورية على كيفية مكافحة الجرائم ذات الصلة مثل جرائم المعلوماتية أو الحاسوب, وجرائم الاحتيال المصرفي وغيرها من الجرائم التي تمخض عنها عصر التقنية الرقمية. وسأوضح في مقال لاحق كيف يمكن استخدام الشركات والأنشطة التجارية في عمليات تمويل الإرهاب.
إنشرها