الأسهم والسياسة

[email protected]

عند البحث عن مسببات ما حصل في سوق الأسهم الأسبوع الماضي كان مما يذكره الناس التوتر السياسي في منطقة الخليج، وعلى وجه الخصوص أزمة احتجاز البحارة البريطانيين والتوتر السياسي بين بريطانيا وإيران. وعلى الرغم من حقيقة تأثر أسواق الأسهم بالأحداث السياسية بشكل عام، إلا أن المبالغة في ربط ما حصل بتلك الأزمة هو ربط غير منطقي ولا يوجد ما يسنده في السوق السعودية. وعلى الرغم من عدم وجاهة هذا السبب إلا أنه لا بد من تقرير ذلك حتى لا تستخدم الأحداث السياسية لتحقيق مآرب من يتلاعب في السوق أصلاً. ولعل الشاهد القوي على عدم منطقية هذا السبب في تأثيره على سوقنا هو عدم تأثر بورصة طرفي النزاع طهران ولندن بهذه الأحداث!!! فهل نحن أقرب للبحارة من بريطانيا!!! هذا من ناحية، أما من ناحية استقراء تاريخ السوق السعودي، فإنه يلاحظ عدم حساسيته مع الأحداث السياسية الخارجية. والدليل أن السوق كانت ترتفع بشكل غير مسبوق إبان بداية الغزو الأمريكي للعراق على الرغم أن هذه الحرب تعد أشد تأثيراً على الوضع السياسي والاقتصادي في المنطقة برمتها.
ومع ذلك فإنه لا يخفى على من يدرك خصائص أسواق المال الدور الكبير للسياسة فيه، فمن المعروف أن السياسيين يحركون الاقتصاد والاقتصاد يحرك السياسة، والعكس صحيح. وبخلاف التشريعات والقوانين المنظمة للسوق، فإنه من الصعب معرفة حجم التدخل السياسي الرسمي في السوق. وهذا طبعاً يرجع إلى أن التدخل السياسي غير التنظيمي غير مرغوب في سوق الأسهم أصلاً، والرغبة في أن يكون هذا التدخل محدوداً في حالة الاضطرار إليه.
وحتى لا نستغرق في النظريات، فإن الواقع العملي لسوق الأسهم والتذبذبات الحادة فيه توحي بوجود تكتلات اقتصادية قوية غير معلنة على غرار التكتلات السياسية بين الدول. والواقع أن هذه التحالفات ليست حصراً على سوق الأسهم، بل هي موجودة ومقبولة إلى حد ما في جميع أوجه النشاط التجاري. إلا أن عدم إشهار هذه التحالفات في سوق الأسهم جعلها تعمل بتكتيك يتناسب مع واقعها المحظور. وعلى الرغم من منطقية هذه التكتلات في العرف التجاري إلا أن طبيعة وسرعة التعاملات في سوق الأسهم قد فرضت على هذه التكتلات العمل بدهاء السياسيين دون اعتبار للأخلاق المهنية Business Ethics، ناهيك عن الآداب الإسلامية. لذا فإن العقوبات والجزاءات القانونية يصعب إيقاعها على هذه التكتلات لاعتمادها على الأثر الجماعي في البيع والشراء، ومن هذا المنطلق فإنه قد يكون من الأجدى محاولة التعرف على من يتحكم ويدير هذه التكتلات، ثم تعريضهم للضغط الاجتماعي كبديل عن العقوبة القانونية. وخلاصة القول إن السياسة كمعنى وأسلوب موجودة في أفكار كبار المتعاملين، وإن لم يكونوا من السياسيين اصطلاحا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي