معارك الأندلس الكبرى

معارك الأندلس الكبرى

[email protected]

أرسل لي أخ تعليقا على مقالتي معركة العقاب فقال: كرما منك يا دكتور أقرأ هذه الأسطر، وكم هو عزيز علي لو تعلق عليها؛ إن معركة (العُقاب 1212م) هي بالفعل قراءة رائعة عندما تناول قضية أننا لا نقرأ، وليته لم يختصر السبب بظلم شخص ابن رشد، فالظلم مهلك الأمم، مهما بلغت من قوة، ولم يكن الظلم هناك فقط لابن رشد وحده. وانظر لبلادنا العربية ما حل بها بسبب الظلم.
وبدأ ت أعيد ذكريات المسلمين في الأندلس، والتي يمكن اختصارها عسكريا في ثلاث معارك ( شذونة – الزلاقة – العقاب )، والأخيرة والتي هزم فيها المسلمون هزيمة موجعة، تكلم عنها الدكتور بإسهاب، عندما قارنت بين نتائج نصري شذونة والزلاقة، فالنصر الساحق تحقق في كلا المعركتين  (لكن حتى إدارة النصر تريد رجالا من نوع آخر)، فالأولى نجح الفاتحون في بسط سيطرتهم على شبه جزيرة آيبيريا، وتساقطت مدن الأندلس في أيديهم سريعا، أما في الثانية والتي لم تقل عن نصر الأولى، فقد كانت نتائجها لا تقاس أبدا بنتائج الأولى، وبالتأكيد هناك فرق بين أفراد جيش طارق بن زياد رحمه الله، و أفراد جيش يوسف بن تاشفين رحمه الله.
والذي أريد أن أصل إليه، حتى وإن جاء النصر لنا دون جهد، فكيف سنصنع به ونحن في هذه الحالة؟  بكل تأكيد إننا سنسيئ استغلاله وإدارته؟!
لنسأل أنفسنا ماذا فعلنا بدولنا ومقدراتها، هل نديرها بشكل جيد؟ أم أننا لو نرحل عنها لكان أفضل لها!!
ببساطة (حاليا) حتى لو لم نجد عدوا  فلن ننتصر!!
وجوابي على الأخ الفاضل، إن الفرق بين معركة دخول الأندلس والرحيل عنها، مثل شروق الشمس وغروبها، وهي قوانين كونية أزلية، والله يقول وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم، والرسول صلى الله عليه وسلم ودع قومه وهو يقول: إني أخشى عليكم من الدنيا أن تنافسوها كما نافسوها؛ فتهلككم كما أهلكتهم، وفي حديث كان الرسول ص يتحدث لأصحابه فلم يكونوا يستوعبون الأمور، فهو يقول لهم لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه؟! فلم يستوعبوا تماما ذلك، وحددوا بسؤال لاحق بكلمة: آليهود والنصارى؟
أي هل تعني أننا سنصبح مثل اليهود والنصارى؟ فكان جوابه فمن إذن؟ أي أن أمراض أهل الكتاب ستصابون بها فليس هناك من أحد محصن وممنع إلا من أخذ لقاح التقوى.
ذلك أن المسلمين شعروا أنهم تحرروا من أمراض أهل الكتاب؟ ولكن هذا استعجال في التفكير، فجيل الصحابة رأى بعينه، كيف طارت الخلافة الراشدية، بانقلاب أموي عسكري، ولم يعد خلفاء راشدون، بل ملوك يحكمون بسطوة السلاح، إلى درجة أن (الخاتمي) نقل في كتابه عن شرك الاستبداد، أن (أبا الصفار)، وكان رئيس العياريين زحف يوما إلى بغداد، على رأس جيش من الزعر والحرافيش والعيارين والبلطجية، فقام رجل فقال له: عليكم بعهد خليفة المسلمين، فالتفت إليه أبو الصفار بابتسامة عريضة، وقال نعم هي معي، ثم طلب من شقي من العصابة من حوله، أن يأتيه بكتاب الخلافة، فرجع الشقي بسيف ملفوف بخرقة، فامتشق أبو الصفار السيف، وقال هذا هو عهد الخلافة؟؟ ونحن قد نضحك لمثل هذه القصص، ولكنها تروي عمق الحفرة التي وقع فيها المسلمون ومازالوا.
وفي معركة العقاب يجب استحضار معركة أخرى، قادها الموحدون قبل 20 سنة من معركة العقاب، لم يتفطن لها أحد، وهي غير معركة الزلاقة، التي خاضها المرابطون.. وقف فيها الخليفة الموحدي، حاسر الرأس، باكي العين، وطلب من كل الجند أن يسامحوه، ومن كانت له مظلمة، إلا طلبها من الخليفة، فقال له القوم: بل كلنا فداؤك، وحصد المسلمون يومها النصر المؤزر..
ومن أجل أخذ فكرة عن التاريخ الأندلسي؛ أنصح بقراءة كتاب تاريخ الأندلس لمحمد عبد الله عنان، وهو موسوعة من ست مجلدات، ولكنها تعطي صورة واضحة عن سير الأمور، ولماذا انتهى الحكم الإسلامي في شبه الجزيرة الآيبيرية إلى الكارثة والزوال؟! وتلك الأيام نداولها بين الناس.

الأكثر قراءة