العمل التطوعي .. دور القطاع الخاص

العمل التطوعي .. دور القطاع الخاص

الأعمال الإنسانية هي تلك الأعمال التي لا ينتظر مَن يقدمها مقابلاً لها من المستفيدين منها، فهي تنبع من حب الخير ومن حب الإنسان للعطاء والبذل، ولأن العمل الخيري مثال حي لهذه الأعمال وهو مجال واسع تتنوع أشكاله ليدخل في جميع مجالات الحياة الاجتماعية، الصحية، البيئية، والتربوية. وفي هذا العمل الخيري ينطلق الإنسان من إحساسه بالمسؤولية تجاه محيطه الإنساني من أفراد وأسر وجمعيات، وبالتالي فهو ليس أمام التزام وظيفي إنما هو التزام أدبي وهو أيضاً تنافس شريف من أجل خدمة أهداف إنسانية ومجتمعية. ولعبت الخدمات التطوعية دوراً كبيراً في نهضة كثير من الحضارات والمجتمعات بصفتها عملاً خالياً من الربح والمنفعة، ولعل الأمة الإسلامية من أكثر الأمم التي استفادت في نهضتها عبر التاريخ من تلك الأعمال الخيرية مثل الوقف والتبرع والتصدق. وفي المؤتمر السعودي الثاني للتطوع الذي انعقد قبل فترة وجيزة تم تناول محاور أساسية مثل التطوع من وجهة النظر الإسلامية، والتطوع في المجالات الصحية والإغاثة، ومجالات الحماية المدنية، ومختلف مجالات خدمة المجتمع: المعوقون، المسنون، العجزة، وحقوق المتطوعين وواجباتهم، والآفاق المستقبلية للعمل التطوعي وآليات تفعيله.
لقد بلغ عدد الجمعيات التعاونية في المملكة 161 جمعية برأسمال 167.096 مليون ريال واحتياطي نحو 298 مليون ريال، وحجم تعامل يقارب 380.625 مليون، وإجمالي موجودات 65.772.300 مليون ريال، وإجمالي إعانات مصروفة منذ التأسيس 14.080.550 مليون ريال. وإذا نظرنا إلى الموارد المالية لهذه الجمعيات لتساءلنا عن تلك المنشآت الاقتصادية العملاقة من بنوك ووكالات وشركات ومؤسسات بل رجال أعمال، ذلك أن الدور الذي يتوقعه المجتمع من القطاع الخاص لا يتناسب مطلقاً مع الدور الفعلي والمشاركة الواقعية التي يتبناها القطاع الخاص في مساهمته في الأعمال الخيرية، ففي بلد مثل المملكة لا يقع عبء يذكر على القطاع الخاص، من ضرائب ونحوها نجد أن الربحية فقط تكاد تسيطر على فكر وذهنية الغالبية في القطاع الخاص فليس هناك مساهمة تستحق الذكر.
ولو استعرضنا القطاع التطوعي في دولة مثل الولايات المتحدة، وذلك على سبيل المقارنة فقط، حيث إن الدافع من العمل الخيري في الغالب تحصيل الأجر والثواب الأخروي، لذا تحسن المقارنة ببلد مثل الولايات المتحدة. وحيث تتوافر الإحصائيات الموثقة فإننا نجد أن عدد التنظيمات في القطاع التطوعي 1.2 مليون مؤسسة تطوعية، ودخل القطاع التطوعي 664.8 مليار دولار لعام واحد، وتبلغ التبرعات 132 مليار دولار، وتمثل نسبة الموظفين في هذا القطاع 7.1 في المائة من مجموع السكان، ونسبة الأسر التي تبرعت 70.1 في المائة أسرة من مجموع الأسر، وحجم التبرع الأسري السنوي 1075 دولاراً، ونسبة من يتطوعون 55.5 من مجموع السكان، وعدد من تطوعوا 109.4 مليون متطوع ومتطوعة في السنة، وعدد الساعات التي تطوعوا فيها 19.9 مليار ساعة في السنة، وقيمة وقت المتطوعين 225.9 مليار دولار سنوياً.
إن القطاع الخاص السعودي مطالب اليوم وأكثر من أي وقت مضى بأن يتبنى وبقناعة صادقة وضع برنامج مشاركة ومساهمة سنوية للعمل الخيري من خلال الإمكانات الهائلة التي لا تخفى على أحد للقطاع الخاص السعودي ومن خلال المزايا العديدة التي تتوافر للبيئة الاستثمارية والتجارية في المملكة، فالقضية ليست مجرد توجه فردي لدى من يحب فعل الخير من رجال أعمال عرف عنهم المجتمع السعودي المساهمة في ذلك، ولكن يجب أن يكون هناك دور مرسوم وخطط واضحة لما يمكن للمنشآت الاقتصادية أن تقوم به بالنظر إلى طبيعة نشاطها ومجال عملها.
لقد عرف المجتمع السعودي التطوع والعمل الخيري والإنساني بأشكاله ومجالاته كافة، بل هو أصيل فيه لاعتبارات: متعددة: دينية، إنسانية، اجتماعية، وثقافية ... ولكن لا يزال العمل التطوعي لدينا فردي الأداء، وعفوي التوجه، وله طابع إغاثي في الغالب. إننا في حاجة إلى العمل الخيري المنظم الذي يتسم بالمنهجية العلمية، الاستدامة، الثقة، الانتشار، والإنماء الشامل للفرد والمجتمع.

الأكثر قراءة