تراجيديا الأسهم!!

[email protected]

قلت في مقالات سابقة إن قرارات المستثمرين أو المضاربين في سوق الأسهم لا تخضع لمعطيات التحليلين الأساسي والفني، فمن خلال متابعتي للتعاملات التي تتم من خلال السوق لمدة طويلة وجدت أنها أقرب في سلوكها إلى القمار منه إلى القرارات الرشيدة المبنية على معطيات استثمارية سليمة، فالقمار يخضع للحظ قبل كل شيء، من هنا فإن المضارب والمستثمر قصير الأجل هما أكثر المتعاملين خسارة في سوقنا المالية، ولن أقول ربحا، فالأرباح التي قد يجنونها ومهما كان حجمها ستأكلها الخسائر بعد حين وربما تطول رأس المال كذلك.
وهذا السلوك الغريب لم يجد معظم المتابعين له تبريرا منطقيا، فكل يوم يحملونه أسبابا غير صحيحة من وجهة نظري، إلا أنني أعتقد أن السبب الرئيس هو ضخامة عدد المتعاملين وقلة خبرتهم الاستثمارية في وقت واحد، ما جعلهم أسرى للشائعات من جهة وللتغرير من جهة أخرى وفي المحصلة، فالخسائر تطولهم أكثر من غيرهم، أي كبار المستثمرين في السوق.
من يقرأ رحلة مؤشر الأسعار خلال ثلاث سنوات سيجد أنه يسير في حركة شبه عمودية إلى الأعلى والأسفل وهي لا تستقيم مع خصائص أسواق المال الناضجة، والدليل ما حصل للسوق خلال الأسبوع الماضي، عندما خسر مبالغ كبيرة من قيمته السوقية دون مبرر استثماري مقبول، وكأنه مصاب بمس.
تراجيديا سوق الأسهم لن تنتهي في ظني، إلا إذا قُصر التداول على فئة محدودة تمتلك متطلبات الاستثمار والتأهيل اللازم، ولا أعني هنا أن يخرج صغار المستثمرين من السوق - وهم بالملايين - حاليا بل أقصد منعهم من الاستثمار المباشر لأن في ذلك حفاظا على أموالهم التي مهما كانت قليلة فهي تعني الشي الكثير لهم، وحتى أكون أكثر تفصيلا، لابد من الحفاظ على أموالهم من التآكل لأن سلوكهم مجتمعين أسهم في تحقيق أغراض وأهداف فئة محدودة من كبار المضاربين وحققت لهم أرباحا طائلة وأسهمت كذلك في تغيير خطير في خريطة توزيع الثروة، وزادت من الفقر ووسعت شريحة الأغنياء على حساب الطبقة المتوسطة.
السوق يوجد فيه خلل لا يمكن لأي إجراءات مهما كانت أن تصلحها ما دام ملايين المستثمرين يبيعون ويشترون بناء على معطيات مغلوطة وغير صحيحة ولا تمت لأصول الاستثمار بشيء ويمكن أن أصفها هنا بالقرارات الانفعالية، ولكن الغريب أن الأزمات التي مر بها منذ شباط (فبراير) 2006 وحتى الآن لم تغير كثيرا من سلوك وطريقة تعامل صغار المستثمرين، فهي ظلت على حالها، في حين كان يؤمل منها أن تعطي نتائج إيجابية تنعكس على السوق لاحقا.
سوق الأسهم أمسى قصة حزينة لمئات الآلاف من الأفراد الذين حلموا بالثروة ووجدوا أنفسهم يخسرون جزءا مهما من أموالهم في حين أن أسواقا أخرى تتصف بالكفاءة تنمو بشكل عقلاني ولا يتأرجح مؤشرها بهذه الطريقة الخطيرة، بل إن انخفاضا محدودا لا يتجاوز 2 أو 3 في المائة يوصف بأنه تطور خطير تتناقله وكالات الأنباء بالتعليق والتحليل، بينما سوقنا ينخفض دون أية أسباب مقنعة 6 و7 في المائة ويمر الأمر وكأنه أمر طبيعي.
كفاءة السوق لن تتحقق في ظل الظروف السائدة اليوم، ولن تتحقق في المستقبل ولن يكون سوقنا المالي قناة استثمارية آمنة إلا إذا ترك صغار المستثمرين المضاربة التي يكتوون بنارها كل فترة، وغيروا طريقتهم الحالية وتحولوا إلى مستثمرين طويلي الأجل أو متوسطي الأجل على الأقل وتركوا الأسهم الخاسرة التي أصبحت فرس الرهان لتعظيم ثروات القلة على حساب مدخرات القلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي