"بيشة" .. ماذا يحدث؟

[email protected]

ما الذي يحدث في سوق الأسهم السعودية؟ إعلان من "بيشة"! مزاد على أسهم "بيشة"! خسائر غير محققة في نتائج أعمال "بيشة"! تدليس في نتائج الربع الثالث لشركة بيشة! تحفظ من المحاسب القانوني لـ "بيشة"! إعلان من هيئة السوق بخصوص "بيشة"! تصريحات متوالية من مجلس إدارة "بيشة"! تحديد موعد للجمعية العمومية غير العادية لـ "بيشة"! انتظار وترقب للقرارات المصيرية بخصوص استمرار الشركة أو تصفيتها! قبل يوم من التاريخ المحدد لاجتماع الجمعية العمومية لـ "بيشة" يظهر إعلان صغير منشور على استحياء في بعض الصحف عن إلغاء الدعوة لاجتماع الجمعية العمومية غير العادية بحجة زوال الأسباب الداعية للاجتماع!
ما هي شركة بيشة هذه التي ملأت الدنيا وشغلت الناس ؟ شركة مساهمة زراعية أسست في عصر الطفرة الذهبية الزراعية في المملكة، برأسمال قدره 50 مليون ريال وبلغ حجم التداول عليها في يوم أكثر من مليار ريال، في حين بلغت قيمتها الدفترية في تاريخ الإغلاق أقل من خمسة ملايين ريال، في نفس الوقت الذي تحتجز فيه أكثر من 340 مليون ريال من أموال وثروات المساهمين، لم تقدم شركة بيشة أي مشاريع ذات قيمة تذكر للاقتصاد السعودي، وهي شركة منسوبة إلى واحدة من المناطق العزيزة على قلوبنا، ولكن للأسف غطت شهرة الشركة السلبية على واقع المنطقة الغالية، ومنذ أن بدأت فورة الأسهم في 2003 م ظهرت الشركة كواحدة من أبرز الأدوات للتلاعب في السوق، وممارسة القمار الشرعي، وقد كانت أسهم الشركة مجالاً لجميع أنواع الإشاعات والمضاربات والأقاويل التي هزت السوق وأثرت في المصداقية الحقيقية للاقتصاد السعودي.
وما إعلان الشركة الأخير إلا فيروس من فيروسات الدمار التي تمارسها الشركة من حيث تدري أو لا تدري، فما معنى أن تعلن الشركة عن إلغاء اجتماع الجمعية العمومية غير العادية قبل يوم واحد من انعقاده، هذا الاجتماع الذي ينتظره بفارغ الصبر الآلاف من المساهمين الذين تورطوا بأسهم الشركة، حيث سيقرر هذا الاجتماع القرارات المصيرية التي ينتظرها السوق ككل، وهي لن تخرج عن خيارين:
استمرار الشركة ودعمها من قبل المساهمين.
حل الشركة وتصفيتها.

إعلان الشركة المذكور الذي نشر على استحياء على مساحة صغيرة (10 X 2)، فيه تورية وخداع للمساهمين، حيث إن هذا الإعلان كان يجب أن يظهر في " نظام تداول " أولاً وهو الوسيلة الرسمية التي حددتها الجهات الإشرافية للإفصاح عن المعلومات التي تهم المساهمين، كما أن الإعلان لم ينشر في جميع الصحف، ونشر على مساحة صغيرة تحتاج إلى من يتعقب الإعلانات لكي يراه، ولم يشر في الإعلان لا من قريب ولا من بعيد عن أي موافقة من الجهات الرسمية لمحتواه سواء كانت وزارة التجارة والصناعة أو هيئة السوق، خاصة الوزارة بحكم أنها المسؤولة عن تطبيق النظام من حيث استمرار الشركة أو حلها، كما أن الإعلان لم يوضح كيف انحسرت الخسائر إلى 15.4 في المائة بعد أن كانت تتجاوز 95 في المائة من رأسمال الشركة.
لقد كانت حجة الشركة الواهية التي لجأت إليها بناء على رأي مستشارها القانوني تتمثل في إعادة تبويب الفائض الناتج عن بيع أسهم المساهمين غير المسددين للقسط الثاني من رأس المال وقدره 61 مليون ريال واعتباره إيرادات متنوعة للشركة، وبالتالي سينتج عن ذلك تغير في نتائج أعمال الشركة وتتحول الخسارة السابقة التي تجاوزت 95 في المائة من رأسمالها إلى أرباح قدرها 23 مليون ريال.
ألم يكن في وسع مجلس إدارة الشركة أن يعقد الاجتماع كما كان مقرراً ويوضح للمساهمين هذه الحقائق، ويناقشها معهم بحضور الجهات الرسمية؟ ألم يكن في وسع مجلس إدارة الشركة مخاطبة الوزارة والهيئة وأخذ موافقتهما وتأييدهما لقرار الشركة قبل الإعلان الذي تم؟ ألم يكن في وسع مجلس الإدارة التوضيح في صلب الإعلان كيف تم تقليص الخسائر من 95 في المائة إلى 15.4 في المائة؟ خاصة أن نشاط الشركة يستحيل أن يحقق مثل هذه النتائج القياسية، كما أن محفظة الشركة في الأسهم لم يطرأ عليها التحسن الذي يسهم ولو بجزء بسيط في تخفيض هذه الخسائر، ألم يكن من الواجب على الشركة أن تذكر في إعلانها المثير أن هناك تحفظاً من محاسبها القانوني على هذه النتائج؟ أي درجة من الثقة يمكن أن يوليها المساهمون والمتابعون والجهات الرسمية لتقارير الشركة وإعلاناتها وما يصدر عنها إذا كانت بهذا المستوى؟
وإذا كان الإعلان قد أثار الكثير من البلبلة والأقاويل في أوساط المتعاملين، فإن الإثارة الكبرى كانت من تعليقات وتحليل بعض الصحف والمحللين، حيث نتج عن تضارب الأقوال حول شركة بيشة بعد إعلانها ارتباك في حركة السوق وإذا كان الإعلان مدفوعاً من أموال الشركة ويسأل عنه مجلس الإدارة فلا يمكن تجاوز التعليقات التي نشرت في بعض الصحف كصدى لهذا الإعلان، حيث توقعت مصادر مالية أن يتم رفع الإيقاف قريباً عن شركة بيشة! وتم اعتبار إعلان الشركة مؤشراً للوصول إلى حلول جذرية لمشكلة خسائرها المعلنة سابقاً! كما أفادت مصادر مطلعة أن القائمة المالية المعلن عنها سابقاً لم تكن مدققة! إذا كان الإعلان من قبل الشركة يعكس وجهة نظرها فإن التعليق والتحليل من الصحف يجب أن يكون أكثر تعقلا وحكمة ألم يجدر ببعض من علقوا وحللوا وشطحوا التأمل في شكل الإعلان، فضلا عن محتواه حتى يتبين لهم حقيقته وبعده عن الصواب؟
لقد كان رد الهيئة حاسماً عندما طلب من الشركة إعادة إصدار قوائمها المالية بما يتفق مع المعايير المحاسبية السعودية، مما يشير إشارة واضحة إلى عدم موافقة الهيئة على التقارير المالية الصادرة عن الشركة والتي أظهرت أرباحاً غير حقيقية ناتجة عن تسجيل نتائج مزاد الأسهم لصالحها وهو أمر لم يوافقها عليه المحاسب القانوني ولا الهيئة.
إن الإعلان الذي نشرته الشركة ودفعت قيمته من أموال المساهمين، يعتبر حلقة من حلقات مسلسل التدهور والتخبط الذي تعيشه هذه الشركة، التي ما فتئت تنخر في السوق السعودي، ويجب ألا تكون ردة الفعل من الجهات الرسمية تصريحا أو تعليقا أو إعلانا، ولكن يجب أن تكون الوقفة حاسمة لأن هذا الأمر لا يمس مساهمي الشركة فقط ليقال لهم إن "أصحاب الحق أولى بالسؤال عنه"، ولكن الحقيقة أن تحركات وتخبطات "بيشة" تمس السوق ككل، وقد كان أثر التعاملات المجنونة على سهم الشركة ثم أثر إيقاف السهم، ثم أثر الإعلان الأخير واضحاً في السوق ككل، وأعتقد جازماً أن موقف الوزارة والهيئة سيكون له بالغ الأثر الإيجابي على السوق في الأمد الطويل كلما كان أكثر حزماً وصرامة، وأقترح أن يتم عقد الجمعية غير العادية لاتخاذ قرارها التاريخي بدعم الشركة أو تصفيتها بأسرع وقت على أن يكون الاجتماع بإشراف كامل من وزارة التجارة والصناعة وبحضور ممثل عن هيئة السوق المالية حتى لا نفاجأ بفصل جديد من مسرحية هزلية مملة، وحتى انعقاد الجمعية أرى أن تمنع الشركة من أي إعلان له علاقة بالأسهم والنتائج ما لم يجز من هيئة السوق المالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي