توظيف الفوائض النفطية في تحقيق الأهداف الاقتصادية

[email protected]

نزعم أنه بمقدور دول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من الفوائض النفطية والتي تراكمت في السنوات القليلة الماضية لغرض تحقيق هدف اقتصادي استراتيجي ألا وهو تحقيق تنوع في اقتصاداتها بعيدا عن النفط. كما أشرنا في مقال الأسبوع الماضي, يلعب القطاع النفطي دورا محوريا في اقتصادات دول الخليج قاطبة.
يشكل الدخل النفطي في المتوسط نحو 80 في المائة من إيرادات الخزانة العامة في دول مجلس التعاون. كما يسهم القطاع النفطي بشكل مبالغ فيه في صادرات دول المجلس الأمر الذي يجعل اقتصادات دول الخليج تحت رحمة التطورات في الأسواق العالمية. شكلت الصادرات النفطية أكثر من 90 في المائة من قيمة الصادرات الكويتية في عام 2005.

ارتفاع الدخل النفطي
حقيقة القول تعززت إيرادات دول المجلس من النفط والغاز بشكل ملموس على خلفية ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية. حسب عدد خاص لدورية ماكيزني كوارترلي لشهر كانون الثاني (يناير) 2007, فقد تعزز دخل دول المجلس بشكل جذري في السنوات القليلة الماضية. حسب الدورية, ارتفعت إيرادات المجلس مجتمعة من 100 مليار دولار في عام 2002 إلى 325 مليار دولار في نهاية عام 2006.
يشار إلى أن دول مجلس التعاون الست بلا استثناء حققت فائضا في موازناتها العامة في السنوات القليلة الماضية. فقد نجحت السعودية في تسجيل فائض قدره 71 مليار دولار في عام 2006. وشكل هذا الرقم نسبة نمو قدرها 24 في المائة مقارنة بالفائض الذي تحقق في عام 2005 وذلك على خلفية ارتفاع وبقاء أسعار النفط مرتفعة.

التخصيص والتحرر الاقتصادي
توفر الفوائض النفطية الأجواء المالية المناسبة لمواصلة برامج التخصيص والتحرر الاقتصادي والعمل من أجل الحصول على أفضل العروض عند التنفيذ نظرا لعدم وجود الضغط المادي. وربما تعزز السياسة المزدوجة (التخصيص والتحرر الاقتصادي) في المستقبل نظرا لأنها تدر أرباحا على الخزانة العامة من جهة وتسهم في تحسين الكفاءة من جهة أخرى. المعروف أن مؤسسات القطاع الخاص تفكر في الربحية ما يعني ضرورة منح الزبائن خدمة وقيمة لأموالهم.
فيما يخص البحرين على سبيل المثال, أرست الحكومة في عام 2006 عقد تشغيل إدارة محطة الحد للكهرباء والماء (المرحلتين الأولى والثانية) لعهدة مجموعة تضم ثلاث شركات أجنبية. وقد وقعت الحكومة عقد شراء منتجات الكهرباء والماء لمدة 20 عاما. حسب العقد, فإن المجموعة مناط لها مسؤولية تشغيل المحطة, أما التوزيع فمن وظيفة القطاع العام. يتضمن الاتفاق إضافة 60 مليون جالون من المياه يوميا في إطار المرحلة الثالثة للمشروع. تبلغ كلفة عملية الشراء مليار و250 مليون دولار منها 738 مليون دولار لاقتناء أصول المحطة.
المطلوب من دول مجلس التعاون الخليجي استمرار العمل بل ربما زيادة وتيرة تنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية من قبيل التحرير والتخصيص. فسياسة التحرير تمنح الحكومات فرصة الحصول على رسوم عند منح العقود والحقوق الخاصة. فقد لاحظنا هذا الأمر عند تنفيذ تحرير قطاع الاتصالات إذ حصلت الحكومات على أموال للخزانة العامة. أيضا بمقدور برامج التخصيص دعم موازنات الحكومة بواسطة بيع بعض الموجودات العامة أو تحويل تشغيلها لشركات خاصة. أيضا يوفر برنامج التخصيص فرصة للتخلص من بعض المصروفات ما يعني إفساح المجال لتوظيف الأموال لأغراض أخرى ربما تكون أكثر أهمية.

تقليص الدين وتعزيز الاحتياطي
ثانيا من المناسب بمكان الاستفادة من الفوائض النفطية لتقليص الدين العام وتعزيز الاحتياطي. فقد نفذت الحكومة السعودية سياسة مالية صائبة وذلك باستخدامها جانبا من الفائض المالي لعام 2006 في تقليص حجم الدين العام. وعليه انخفض حجم الدين العام ليصل إلى نحو 98 مليار دولار مشكلا 28 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2006. في المقابل شكل الدين العام 39 في المائة من قيمة الناتج المحلي في عام 2005 فضلا عن نحو 87 في المائة من الناتج المحلي في عام 2003.
أيضا كان لافتا قيام السعودية بتحويل أكثر من 26 مليار دولار من الفائض إلى الاحتياطي العام. وهذه هي المرة الأولى منذ أكثر من 20 عاما التي تقوم بها الجهات الرسمية بتعزيز الاحتياطي الاستراتيجي. من بين الأمور الأخرى, يخدم تعزيز الاحتياطي متطلبات إنشاء الاتحاد النقدي بين دول المجلس في عام 2010. يلزم مشروع الاتحاد النقدي الدول الأعضاء بالاحتفاظ بقدر من الاحتياطي يغطي قيمة واردات لأربعة أشهر.
لا شك في أن سياسة تقليص الدين العام وتعزيز الاحتياطي تنصب في مصلحة الأجيال المقبلة وهي مسألة تستحق كل التقدير. كما أن من شأن سياسة تقليص الدين العام وتعزيز الاحتياطي منح المسؤولين الحرية في اتخاذ القرارات الاقتصادية وخصوصا عملية تحرير الاقتصاد.
ختاما لا بد من تأكيد أن مقالنا يستند في جانبه إلى المشاركة التي قدمناها في المؤتمر السنوي الثاني عشر والذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية حول الأمن في المنطقة في بداية الشهر الجاري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي