فن إحباط الموظفين
قرأت قصة مطلع هذا الأسبوع عن رجل في الهند يحمل الماء في جرتين كبيرتين معلقتين على طرفي عصا يضعها على رقبته، وكانت إحدى الجرتين متشققة بينما الأخرى سليمة تعطي نصيبها من الماء كاملاً في نهاية المشوار، أما الجرة المتشققة فدائماً ما تصل بنصف ما فيها من ماء فقط. واستمر هذا الحال يومياً لمدة عامين، وفي الوقت الذي كانت فيه الجرة السليمة فخورة بإنجازها كانت الجرة المتشققة خجلة تعيسة لإحساسها بالفشل. وقد شعر حامل الماء بهذا الشعور فأشفق عليها، وأشار إلى أن هناك ورداً على جانب طريق العودة، في حين لا يوجد هذا الورد في الجانب الآخر، إذ إن حامل الماء لاحظ هذا الضعف في الجرة فقام بزراعة بعض بذور الأزهار في جهة ممر الجرة المتشققة وكان الماء الذي يتساقط يسقي هذه البذور كل يوم لتنتج الورد الذي كان يزين مائدة الطعام يومياً ولولا هذا الماء لما كان ذلك الجمال في المنزل.
وتفيدنا هذه القصة أن لكل منا عيوباً وفينا نقص، وهذا جمال الحياة فلا يوجد شخص كامل ولا بد لنا من القبول بالتعامل مع الأشخاص على ما فيهم من عيوب، وننظر إلى الجوانب الإيجابية ونسعى إلى تنميتها وإبرازها.
وهناك أسلوبان للتعامل مع الجوانب السلبية في الآخرين إما ممارسة الضغوط من خلال إدارة مسيطرة وبيئة عمل تسودها إجراءات صارمة، ومقابلة الإساءة بمثلها والسلبية بأكثر منها أو النظر إلى أن هذه طبيعة بشرية يمكن التعامل والتعايش معها من خلال تجاهلها وإضعاف أثرها السلبي وتنمية إيجابياتها وتطويرها واستخدام أسلوب التحفيز والدعم المعنوي والمادي لتحويل هؤلاء الأفراد إلى عناصر منتجة.
لقد أصبح بعض المسؤولين يلجأون إلى تفعيل ثقافة الإحباط بين موظفيهم من خلال إخفاء قصص النجاح والتقليل من شأنها، بل التشكيك فيها، وفي المقابل يسعون إلى تضخيم الفشل وتوضيح أسبابه ووضعه تحت المجهر وإبرازه، بل يلجأ البعض إلى إقناع الموظف أن قدره هو الفشل، وأنه لا داعي لأن يجتهد ويضيع وقته في التحسين، فالفشل هو مصيره الوحيد. كما يلجأ آخرون إلى استخدام استراتيجية التهميش مع البعض، فلا توجد أي مراجعة لهم أو تقييم لأدائهم، ولا يتم إشراكهم في أي اجتماع أو مناسبة، بل يتم تغييبهم وحجب المعلومات عنهم مع عدم الاهتمام بمقترحاتهم وتعمد نسيانهم. وقد يلجأ البعض إلى إحباط الموظفين من خلال تعيين كوادر بشرية جديدة ومحدودة الخبرة في مستويات أعلى وبمميزات أكثر، أو قد يتم توريط موظف عن قصد في مخالفة نظامية ثم يتم تحويله للتحقيق أو يطلب منه تقديم استقالته، كما يسعى آخرون إلى إشاعة الإحباط من خلال الأجور المتدنية وعدم ربط الأجر بالجهد، بل قد تتم ترقية الكسول الخامل وتجميد النشيط المجتهد، وقد يلجأ البعض إلى ما يعتقدون أنه تحفيز معنوي فيؤكدون لموظفيهم أن بقاءهم في وظائفهم هو في حد ذاته ميزة قيمة يحسدون عليها.
إن لجوء البعض إلى نشر ثقافة الإحباط داخل مؤسساتهم يساهم في كبح جماح الموظفين وتقييد طموحاتهم والسيطرة عليهم وتقنين أهدافهم بحيث لا تصبح لهم أي قيمة ولا يكون لهم أي تأثير أو دور في نجاح المؤسسة مما يساهم في قتل الثقة في أنفسهم وشعورهم بأنهم سبب كل فشل في المؤسسة، فيكونون في موضع الضعيف الذي لا يمكنه إبداء أي رأي أو المطالبة بشيء حتى لو كان من حقه.
إن علينا واجباً كبيراً في أن نراعي الأمانة التي بين أيدينا، وأن نعطي كل ذي حق حقه، وأن نسعى إلى إنجاح الآخرين، ففي نجاحهم نجاح لنا، بل إن مقدرتنا على تطويرهم وإبراز أفضل ما لديهم هي دليل على كفاءتنا وستساهم في زيادة إنتاجيتهم مما سينعكس على أداء المؤسسة وتطويرها وإيجاد بيئة عمل صحية متميزة ومنتجة بدلاً من بيئة التطفيش والإحباط.