كيف نحصن السوق من التذبذبات والشركات من الإيقاف؟
يتساءل الكثير من المستثمرين هذه الأيام عن أسباب تساهل هيئة سوق المال في تطبيق الأنظمة والقوانين في الماضي, وعن صرامة تطبيقها في الوقت الحاضر، وسعيها الحثيث إلى إحداث نقلة نوعية في الهيكلية الهشة للسوق، ووضع حد للتجاوزات التي أدت إلى إيقاف كل من شركتي بيشة وأنعام نتيجة خسائر متراكمة وكبيرة، والخوف من إيقاف المزيد من الشركات. كما يتساءلون عمن يتحمل مسؤولية حدوث مثل هذه الأخطاء الفادحة وغير المقبولة التي ألحقت الخسارة والضرر بالشركات والمستثمرين في السوق معا من جراء إيقاف تداول شركتين في السوق تدار فيه أموال واستثمارات تتجاوز مليارات الريالات يومياً، مؤكدين أن تكرر إيقاف الشركات سيسهم في تكبد الشركات والمستثمرين والسوق المزيد من الخسائر ستنعكس على السوق في المدى القصير والطويل.
إن توجه هيئة السوق المالية في إيقاف أسهم الشركتين المشار إليهما من التداول توجُّه صائب، ولو أنه يعتبر متأخرا نوعا ما، ولكن يصب في مصلحة الشركات والمتداولين والمستثمرين في سوق الأسهم، خصوصاً أن السوق في حاجة إلى تفعيل العديد من القرارات للحد من عمليات تحايل بعض الشركات وتلاعب المضاربين غير المبررة وغير المقبولة, والتي أحدثت الضرر بالعديد من المساهمين في السوق.
لمعرفة المزيد عما دار ويدور في السوق هذه الأيام علينا استعراض أدوار أطراف السوق وقضية إيقاف الشركتين ومسؤوليتهم وجوانب القصور التي أدت إلى قرار الإيقاف فيما يلي:
1- هيئة سوق المال: تأخرت في الكشف عما دار داخل هاتين الشركتين ، خصوصا أن تلك الشركتين لا تملكان مشاريع حقيقية وأرباحا وقوائم مالية مشجعة، وأسعار تداول أسهمها خيالية، ولكن الهيئة تأخرت في تفعيل المادة الحادية والعشرين من قواعد التسجيل والإدراج الذي ينص (على أنه يجوز للهيئة تعليق إدراج الشركات أو إلغاؤها في أي وقت حسبما تراه مناسبا، في حال رأت ضرورة ذلك لحماية المستثمرين أو للمحافظة على سوق منتظمة، وكذلك في حال أن الشركات أو أعمالها لم تعد مناسبة لتدبير استمرار إدراج أوراقها المالية في السوق) في وقته مما أدى إلى استفحال القضية واكتفاء الهيئة بالتحذير والتنبيه في حينه مما كبد السوق خسائر فادحة وفقدان الثقة.
2- وزارة التجارة والصناعة: في عدم تحملها جانبا من المسؤولية بعدم اتخاذها قرارا سريعا استنادا إلى نظام الشركات الذي يخولها الحق قي مراقبة ومراجعة موازنة الشركات.
3- مجالس الإدارة: تعتبر المسؤول الأول والأخير أمام الشركة والمساهمين والغير عن أداء الشركة، ومن الواضح أن الشركتين شابهما الفساد المالي والإداري، وازداد الفساد وضوحا عند إيقافهما بعد وصول خسائرهما إلى أكثر من 75 في المائة من رأس المال، والإصرار على الاستمرار يؤكد أن إدارتيهما كانتا تتلاعبان في حساباتهما الداخلية واستغلال أموال الشركات بالاستثمار (المضاربة) في نشاطات غير النشاط المصرَح به نظاماً للشركة ومن دون تفويض من حملة الأسهم، والإعلان عن أرباح وهمية أو خسائر أقل بقصد جلب المستثمرين وخداع المتداولين.
4- المحاسبون القانونيون (المراجع الخارجي): إن دور المراجع الاطلاع على جميع المعلومات من إدارة الشركات التي تمكنه من الوصول إلى رأي حول القوائم المالية، وجمع الأدلة التي تؤيد رأيه لما على المراجع من مسؤوليات قانونية تجاه كل من اطلع على هذه القوائم المالية واتخذ قراره الاستثماري على أساسها، وعدم تقديمه رأيا غير محايد أو مستوى مهنيا ضعيفا بالتأكيد سيؤدى إلى الإضرار بالمهنة والآخرين معا.
5- المستثمرون: إن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على المساهمين نتيجة تقاعسهم عن أداء دورهم كحملة أسهم تلك الشركات، وعدم حضورهم اجتماعات مجالس الإدارة لمتابعة ومحاسبة أعضاء مجالس الإدارة، والأمر الأدهى أن غالبية المستثمرين في تلك الشركات يتداولون أسهمها وهم يعلمون أنها شركات لا تحقق عوائد تذكر للمساهمين، ولكن المضاربة في بيع وشراء أسهمها له مردود جيد وأرباح مجزية سريعة.
لتحصين السوق من التذبذبات والشركات من الإيقاف فعلى جميع أطراف السوق الاضطلاع بأدوارهم و مسؤولياتهم وواجباتهم لضمان الاستمرار والاستقرار للشركات والسوق بما يلي:
1 - قيام هيئة سوق المال على تحسين المعايير التي تحكم السوق، لجعل السوق تمتلك فرصة أفضل لجذب الاستثمارات الحقيقية، وتطبيق القرارات والمعايير المحاسبية والنظامية للشركات التي ستساعد على إحداث نقلة مهمة في السوق ومنح المساهمين الثقة بسوقهم، ولن يأتي ثماره إلا بإلزام الهيئة جميع الشركات المدرجة في السوق بالقدر اللازم من الإفصاح والشفافية والالتزام بأنظمة السوق المالية, مما يعزز السوق على التوجه من سوق مضاربة إلى سوق استثمارية يتم اتخاذ القرار فيها استناداً إلى معلومات مالية صحيحة.
2- وزارة التجارة والصناعة القيام بدورها بتطبيق نظام الشركات في مراقبة موازنة الشركات. والتنسيق مع الهيئة للتأكد من عدم ازدواجية صلاحياتها مع صلاحيات هيئة السوق، وتفاديا لاعتماد كل طرف على الآخر للبدء أولا.
3- مجالس الإدارة تشديد الرقابة عليهم، لضمان عدم وصول الشركات إلى هذا المستوى، والتشديد على إبراء ذمتها أمام المساهمين، والحرص على تطبيق خطوات الإفصاح والشفافية، واتخاذ بعض الإجراءات
والعقوبات التي تحرم أعضاء مجلس إدارة الشركات التي تعرضت للإيقاف أو المساءلة من الترشيح والتأسيس والمشاركة بمجالس إدارة الشركات القائمة والجديدة حتى ثبوت براءتهم.
المحاسبون القانونيون (المراجع الخارجي) تطبيق المسؤولية القانونية عليه، بعدم إبلاغهم الجهات المختصة عند حدوث مثل هذه التجاوزات في بداياتها، وعدم مطالبتهم حملة الأسهم بإبراء ذمة مجلس الإدارة دون توضيح التجاوزات للحاضرين من حملة الأسهم، وتعطيل تراخيص مزاولتهم المهنة حتى تتضح مسؤوليتهم من إيقاف الشركات، ومطالبة هيئة المحاسبين القانونيين بوضع معيار ترميز للشركات يقيم وضعهم المالي.
4- المستثمرون عليهم متابعة ومحاسبة القائمين على إدارة الشركات، في الجمعية العمومية، إضافة إلى مقاضاة الشركات في وزارة التجارة وهيئة السوق المالية، وكذلك ديوان المظالم في حالة وجود
مخالفات ستعصف باستثماراتهم، والحرص والتمحيص عند الرغبة في شراء أسهم الشركات تجنبا للخسائر، والبعد عن شركات المضاربة حفاظا على أموالهم.
إن الإخلال بالجوانب التي تم ذكرها سيعمق من الجروح في السوق والاقتصاد ، في حين أن السوق في حاجة ماسة إلى السيولة وجذب الاستثمارات الأجنبية لكي يعيدا الاستقرار والنمو إلى السوق.