أوسع ميدان حروب منذ الحرب العالمية الثانية
باتت منطقة الشرق الأوسط اليوم حافلة بالصراعات الكبيرة والمتوسطة التي تهدد الأمن والسلم فيها وفي المناطق المجاورة، بل في العالم كله. فبعد نحو قرن من بداية الصراع حول فلسطين ونحو 60 عاماً من تأسيس دولة إسرائيل، لا تزال القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني ـ العربي ـ الإسرائيلي هما المنبع الرئيسي لتهديد السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي كله، فضلاً عن المناطق الأخرى المجاورة لهما. وقد أتى الاحتلال الأمريكي – البريطاني للعراق لكي يضيف صراعاً آخر دموياً إلى المنطقة باتت آثاره المدمرة تتجاوز العراق نفسه الذي يبدو أنه قد دخل في نيران الحرب الأهلية، لتمتد إلى كل المناطق المجاور له وتمتد أكثر إلى عدد آخر من مناطق العالم ودوله. كما أتت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان في الصيف الماضي لكي تتفاعل مع التطورات الداخلية الخطيرة في لبنان، لتخلق بؤرة توتر جديدة في منطقة الشرق الأوسط يتجاوز تأثيرها السلبي حدود لبنان الصغير ليمتد في المنطقة الممتدة من إيران حتى سورية وإسرائيل والعراق والأردن. وبعد كل تلك الصراعات والمآسي تنتظر المنطقة بين ساعة وأخرى اندلاع الحرب الجديدة، التي توضح مؤشرات كثيرة أنها باتت تنتظر فقط قرار الرئيس الأمريكي جورج بوش لكي تبدأ قواته مهاجمة إيران. وغير بعيد عن منطقة الشرق الأوسط التي تعيش كل تلك الحروب الجارية والموشكة على الاندلاع تغرق أفغانستان في حرب أخرى زادت مراحلها الأخيرة سخونة واشتعالاً بعد أن تواصلت منذ أن احتلها الأمريكيون في تشرين الأول (أكتوبر) 2001.
ويبدو واضحاً أن المشترك في كل تلك الحروب واحتمالات الحروب التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط "الكبير" بحسب التعريف الأمريكي الأخير، هو الولايات المتحدة وحليفتها الإقليمية التاريخية إسرائيل، فهما وحدهما اللتان تحددان توقيت تلك الحروب والدول التي تتعرض لهجوم إحداهما أو كلتيهما معاً. وليس هناك من شك في الحجم الهائل من المخاطر الذي سوف يلحق بكل تلك المنطقة إذا ما شنت واشنطن حربها المقبلة الجديدة على إيران، فيكفي القول إن هذا سيعني امتداد الحروب التي ستكون كل من أمريكا وإسرائيل طرفاً فيها على أوسع جبهة قتال عرفها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حيث ستمتد من أفغانستان مروراً بإيران ثم العراق وفلسطين، وقد تمتد بسهولة شديدة إلى سوريةا ولبنان عندما تجد إسرائيل أن الفرصة مواتية في هذا السياق لتصفية حساباتها مع البلدين. ولا شك أن حقيقة كون هذه الجبهة الواسعة للحروب تمتد في دول كلها مسلمة سوف يزيد من حدة المشاعر الدينية لدى قطاعات واسعة من سكانها وغضبهم على الدولتين اللتين تشنان تلك الحروب. كذلك فمن شأن ذلك التنسيق أو التزامن المتوقع بين الهجمات الأمريكية على بعض تلك الدول والهجمات الإسرائيلية عليها أو على دول وشعوب أخرى مثل سورية أو لبنان أو الفلسطينيين أن يربط بين هاتين الدولتين في وعي الغالبية الساحقة من شعوب تلك المنطقة والعرب والمسلمين جميعاً بصورة يصعب ـ إن لم يستحل ـ الفصل بعدها بينهما ويحولهما معاً إلى "أعداء دائمين" لهم.
كذلك فمن شأن هذا المشهد الدامي في حالة وقوعه أن يعصف بكل المعطيات الحالية والسابقة التي عرفتها كل منطقة الشرق الأوسط سواء على صعيد العلاقات الإقليمية بين دولها أو على الصعيد الداخلي لكل من تلك الدول. فالأوضاع بداخل العراق في ظل ذلك لن تكون أبداً كما هي عليه الآن بل ستعرف تغيرات درامية سيكون لها تأثيراتها الدامية بداخله وخارجه، وهو الأمر الذي ستكون أفغانستان مرشحة له بصورة غير مختلفة سوى في التفاصيل وإن حملت الجوهر الدامي نفسه. ولن يكون الوضع في منطقة المشرق العربي التي تشمل لبنان وسورية وفلسطين مروراً بالأردن وحتى الحدود المصرية أقل سوءاً، فهناك سوف تنفجر ينابيع الغضب المشتعلة منذ احتلال فلسطين عام 1948 واندلاع الصراع العربي – الإسرائيلي، ولن يعرف أحد بدقة إلى أي مدى يمكن للحروب أن تمتد وأي دول فيها يمكن أن تنجر إليها أو تدخلها مختارة وماذا ستكون نتائجها على تلك الدول داخلياً، بل على مصير البعض منها نفسه. أما الأوضاع الداخلية لكل دول المنطقة وربما العالم العربي كله، فهي لن تنجو من تأثيرات نيران الحروب الحارقة المشتعلة حولها، فسوف تذيب حرارتها كثيراً من الأعمدة والقواعد التي يقوم عليها استقرارها السياسي والاجتماعي والاقتصادي بما قد يدفع بمعظمها إلى مراحل غير قصيرة من الاضطراب الذي يمكن أن يأخذ صوراً وأشكالاً مختلفة ويفضي إلى نتائج وأوضاع جديدة يصعب التكهن بشكلها وجوهرها في اللحظة الراهنة.