اغتيال صناعة التدريب (2 من 2)
قي مقال الأسبوع الماضي أشرت إلى تحديات يواجهها سوق التدريب، وخاصة بعد نشر اللائحة الجديدة والقواعد التنفيذية التي قدمتها المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، وقامت مجموعة من المستثمرين السعوديين في سوق التدريب بالاعتراض على بعض بنود هذه اللائحة وطلبت المجموعة مقابلة الجهات المسؤولة وولاة الأمر، وخاصة بعد التغاضي وإهمال المقترحات التي قدموها لتحسين آلية تنفيذ هذه اللائحة، بعد أن طلبت منهم سابقاً قبل نشر اللائحة.
كما قامت الغرفة التجارية الصناعية في جدة وبناء على مقترحات العديد من المؤسسات التدريبية الأهلية بعقد مجموعة كبيرة من الاجتماعات توجتها بورشة عمل شارك فيها ممثلون عن أكثر من 40 مؤسسة تدريبية أهلية لدراسة اللائحة التنظيمية والتنفيذية الجديدة الخاصة بالمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني ومدى ملاءمتها لتطوير صناعة التدريب في المملكة إحساسا منهم بالدور الواجب قيامهم به تجاه نهضة وطنهم وإيمانا بواجبهم متحملين مسؤولياتهم لتحقيق أهداف خطة التنمية الثامنة للمملكة.
وتم عقد أربع ورش عمل لمناقشة أربعة محاور عالجت الموضوعات التالية:
* الأنظمة والقوانين المحلية والدولية وعلاقتها بالاستثمار في التدريب في المملكة ومدى توافق اللائحة معها.
* المعوقات الإجرائية لانطلاق تطوير صناعة التدريب.
* علاقة اللائحة بخطة التنمية آخذين في الاعتبار أثر تكلفة التدريب ومواصفات الخدمات المقدمة من المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني على تنمية قطاع التدريب في المملكة.
* تطوير التدريب النسائي في ظل اللائحة الجديدة.
وقد تمخضت ورش العمل عن عدد من التوصيات، أولاً: توصيات متعلقة بالمؤسسة العامة، ثانياً: توصيات متعلقة بالإجراءات، ثالثا: توصيات متعلقة بتكلفة التدريب والخدمات المقدمة من المؤسسة العامة، رابعاً: توصيات متعلقة بعالمية صناعة التدريب في المملكة، خامسا: توصيات متعلقة بالتدريب النسائي. وسيتم عرض هذه التوصيات على المسؤولين المختصين وولاة الأمر لاتخاذ ما يلزم من الإجراءات.
ولقد حصلت على نسخة منها ولم أتمكن من عرضها في هذا المقال بسبب حجمها الكبير.
ومن وجهة نظري أنه من الناحية التجارية والاقتصادية أن هذه التوصيات تمثل متطلبات العميل (جهة الطلب، مراكز التدريب الأهلية) من المؤسسة العامة للتدريب (جهة العرض) وهذه فرصة نادرة في دراسات السوق فعادةً ما تقوم الجهة المقدمة للخدمات والمنتجات بصرف مبالغ طائلة للمعرفة وللحصول على رأي وطلبات العملاء بالضبط لتقديم أفضل ما يمكن من خدمات وبأفضل الأسعار.
وكأن المؤسسة العامة للتدريب أصبحت مركزا لجباية الأموال وليس لتسهيل وتقديم خدماتها لشركائها الجدد تطبيقاً لأهدافها الاستراتيجية وأهمها الهدف الاستراتيجي الثامن في خطة المؤسسة " تشجيع الاستثمار في التدريب التقني والمهني الأهلي"، والهدف الاستراتيجي التاسع "توثيق العلاقة والتكامل مع الجهات التعليمية والتدريبية الوطنية"، ومع الأسف اتضح أن هذه الاستراتيجيات من الصعب تطبيقها على أرض الواقع.
(تجدر الإشارة إلى أن فرض رسوم إضافية من جهة حكومية يتطلب قرارا من مجلس الوزراء وموافقة مجلس الشورى).
فالمؤسسة بتطبيقها هذه اللائحة الجديدة والاستمرار في ممارسة الأسلوب التقليدي للعمل أصبحت قوة طرد وليس قوة جذب لتنمية وتطوير سوق التدريب بل هي محفزات لخروج المستثمرين من سوق التدريب. ولن يتمكن الوطن من خلق قوة عمل مؤهلة للعمل فعلاً والتي تعتمد على التدريب لدخول سوق العمل والاستمرار فيه مما قد يؤدي لزيادة نسبة البطالة في المملكة.
وكتجربة حية وواقعية تمثلت في حلم ورغبة لإحدى سيدات الأعمال التي تمول عدة مشاريع، قامت بعمل دراسة للاستثمار في سوق التدريب بإنشاء مؤسسة تدريبية لتعليم (فن التجميل) بإشراف أكاديمية عالمية متخصصة، لإعداد فتيات سعوديات متخصصات في هذا المجال بهدف الاستغناء تدريجياً عن العمالة الوافدة المسيطرة على هذا النوع من المهن، وبعد جميع المصروفات والمجهودات والتجهيزات والاتفاقات التي تمت وبالاستفسار مسبقاً عن المتطلبات للحصول على الترخيص، توجهت للحصول على الترخيص منذ سنة تقريباً وحتى الآن لم تستطع الحصول على الترخيص، لعدة أسباب (تِبَكِي والله) تدل على اللامبالاة والإهمال مثل ضياع المعاملة عدة مرات بين جدة والرياض وعدم إيجاد الموظف المسؤول مرات ومرات وتغيير رأي المسؤولين وعدم الاتفاق على نوعية المؤسسة بين مركز ومعهد وطلبات لانهائية وغير منطقية، وهذا يتعارض مع الهدف الاستراتيجي العاشر للمؤسسة العامة للتدريب "التوسع في المجالات التدريبية المتقدمة الداعمة للخطط الوطنية".
لذا قررت سيدة الأعمال مع الأسف أنها قد تنسى الاستثمار في هذا المجال أو أنه من الأفضل لها إنشاء هذا المركز في دولة أخرى بسبب إنفاقها مبالغ طائلة في دراسة هذا المشروع وتجهيزاته. وقياساً على هذا الكثير من مؤسسات التدريب الأهلية القائمة فعلاً والتي ستغلق أبوابها قريباً وسمعت هذا شخصياً منهن لو تم تطبيق هذه اللائحة.
ما الهدف من إعاقة الاستثمار الوطني في قطاع التدريب وغيره من القطاعات الأخرى، وكيف نستطيع استقطاب الاستثمار الأجنبي في بلادنا وبيئة الاستثمار الوطني مهددة؟
وباسم قطاع التدريب الأهلي هذه صرخة استغاثة موجهة للجهات المسؤولة ولكل من بيده الحل والربط والأمر والنهي: هل بدأ زمن اغتيال صناعة التدريب في المملكة، ومع سبق الإصرار والترصد.
* مستشارة إدارية واقتصادية