إعادة الثقه لسوق الأسهم
إن أسوأ شيء في التاريخ هو تذكر الأحداث السيئة والمؤلمة على مستوى أمة من الأمم، والأسوأ من ذلك أن تتذكر الأمم تلك الأحداث، فتقف على الأطلال وتنسج الأشعار دون أن تستفيد من الأحداث. ورغم أن انهيار سوق الأسهم العام الماضي كان مؤلماً لغالبية الشعب السعودي، إلا أنه كان درساً قاسياً لتلك الغالبية. ولعل المؤلم حقاً في تلك الحقبة أن أضعف الفئات هي التي تحملت لوحدها الأخطاء الجوهرية التي ارتكبها المجتمع المالي بأكمله (دون أسماء). ومع ضخامة الخسائر المالية التي تسبب فيها الانهيار، إلا أن فقدان الثقة بالسوق على مدار عام كامل هو الخسارة الكبرى التي مُني بها البلد ومنيت بها مسيرة الإصلاح الاقتصادي التي تنتهجها الدولة. فالتقلبات التي شهدها السوق كانت إشارات تحذير لمن يريد الدخول في السوق، ومن المرجح أن يستمر النفور الشديد من الدخول في السوق حتى يستعيد السوق الثقة.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو كيف يستعيد السوق الثقة!! والواقع أن محدثكم لا يعلم على وجه اليقين إجابة محددة لهذا السؤال. ومع ذلك فإن الاجتهاد الشخصي، رغم قصوره، يقودني إلى عدة أمور. الأول، وهو الأهم في نظري، توقيت إصلاح الخلل فالتأخر في إصلاح الأخطاء يؤدي إلى تفاقم المشكلة وتوسع نطاقها. فالملاحظ أن هناك تأخرا وبطئا في تصحيح الانحراف الحاصل في السوق ووضع حد للارتفاع الحاد الذي شهده السوق، حيث ارتفع خلال فترة وجيزة إلى مؤشرات قياسية لا تخفى على من لديه علم خطورة استمرارها على السوق المالي بشكل عام. أما الأمر الثاني فهو يتعلق بضرورة ضبط إيقاع البيئة القانونية للسوق. فبعد السكوت الطويل عن ما يحدث - خصوصاً وأن فترة تجاوز الأسعار للقيم العادلة قد استمرت لفترة طويلة جداً - شهد السوق قبل الانهيار تسارعا في إصدار الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بالسوق مما أربك الشركات والأفراد على حد. وهذا ما أعطى إشارات ضمنية إلى نية الجهات التشريعية بتعديل مسار السوق قسراً وخلال فترة قصيرة، بدلاً من التدرج في إصلاح الخلل. وهنا يظهر لنا التشويش الحاصل والذي جعل المستثمر في حالة عدم وضوح للرؤية المستقبلية للسوق.
وهذا يقودنا إلى الأمر الثالث في إعادة الثقة، وهو الحاجة إلى وجود خطط لمعالجة الأزمات والحالات الطارئة في السوق، وذلك من خلال تكثيف الدراسات العلمية التي تبحث في التفاصيل. فالملاحظ أن هناك ندرة في الأبحاث العلمية التي تتناول أحداث السوق، مقابل كم هائل وضخم من الآراء الشخصية التي لا تعتمد على أساس علمي اقتصادي. وهنا فإنه لا بد من استحضار المسؤولية والمسألة في الأقوال والتصريحات العامة سواء من الجهات الرسمية أو غيرها. أما الأمر الرابع فهو ضرورة إيجاد وتفعيل آليات حفظ حقوق صغار المساهمين في الشركات المساهمة من خلال تشكيل جمعيات أهلية تقوم بتمثيل هؤلاء المستثمرين أمام الشركات وأمام الجهات التنظيمية.