ماهر عرار وعشرة ملايين دولار مع اعتذار؟

ماهر عرار وعشرة ملايين دولار مع اعتذار؟

[email protected]

قال لي صهري من كندا: لقد اعتذر رئيس وزراء كندا (ستيفن هاربر) ذو الميول المحافظة رسميا، لـ (ماهر عرار) السوري المولد، الكندي الجنسية، عن الإهانة التي لحقته، والعذاب الذي صب على رأسه، على يدي أهله من عصابة الحجاج بين يوسف البعثي.
وتلى الاعتذار التعويض؛ فقد تقدم رئيس الوزراء الكندي إلى عرار المنكوب وفي يده صرة من مبلغ عشرة ملايين دولار، لا تقدر على حملها العصبة أولي القوة من الرجال؟
أضافت ابنتي آمنة: وليس المهم المال، بقدر الاعتذار، وبلسان الشعب الكندي أجمع، من رئيس وزراء، لا علاقة له بالخطأ السياسي، من تسليم عرار لأهله السوريين، إلا ذنبه أنه كان من المعارضة في الحكومة السابقة، فوجب عليه المشاركة في المسئولية؛ فهكذا تحترم الشعوب والحكومات نفسها وشعوبها.
قالت ابنتي معقبة: وهذا هو معنى الديموقراطية، وليس الغوغائية برفع شعارات ليس لها سلطان، كما في تعبير القرآن .
أما (ماهر العرار) المعذب بيد الحجاج البعثي؛ فصورته أصبحت شعبية، تسطع في الجريدة الرسمية في مونتريال من كندا، كما قرأته وأنا أغادر مونتريال، حيث كان رأس صدام المشنوق، وبجانبه في أضخم العناوين تحت صورة صدام المشنوق عرار مبتسما، وبجانبها عبارة: بناة البلد الخالدون(COUNTERY BUILDER)
ومني كل تحية لعرار؛ لأنه رفع رأسنا، نحن من ولدنا في الغابة البعثية السورية، وأصبحنا بنعمة الله كنديين، بأن من يريد مساسنا، عليه أن يفكر ألف مرة، قبل إرسالنا إلى الغابة، بين الضواري، في أقبية فروع أمنية، تذكر بمنكر ونكير، وتعطي صورة حقيقة سريالية لجهنم على وجه الأرض...
أما المواطن المنكوب في حظيرة البعث، فهو يتلفت عن اليمين والشمائل، خوف المخابرات والفلق، في بيوت يرعش فيها الأنام، خوف الأشباح والجان، من المخبرين عن اليمين والشمال قعيد..
وقصة (ماهر عرار) السوري الأصل باختصار؛ أنه سُلِّم (بالضم) بطريق الخطأ إلى الأمريكيين، الذين يعرفون النظام السوري جيدا، فقالوا أهله أولى به منا، وهم أجدر بانتزاع الاعترافات، فهو يحبهم ويجلهم، ولن يخفي عليهم شيئا، لأنهم أهله وأحباؤه، خاصة إذا اقترن بالفلق والأرق والفزع الأعظم.
بقي (عرار) المنكوب عشرة أشهر وعشر ليال حسوما، في مدافن أرضية فعلية في فرع فلسطين، والفرع المذكور لا علاقة له بفلسطين، ومهمته هي فك الألغاز؛ إذا عجز عنها جن نبي سليمان، بآلة من نصب وعذاب وفلق وكهرباء وتعليق في الهواء مثل المروحة، بالإضافة إلى آلة (فيجليا) للتعذيب المشهورة منذ القرون الوسطى التي لاكت جسد توماسو كامبانيلا!، يخرج منها المعتقل معتوها مختلا سقيما مصدوما، السنوات ذوات العدد، وأنا دخلت الانفرادية وأعرفها جيدا، ولا أتمناها لهتلر وموسوليني وبول بوت وستالين، وحافظ الأسد الذي مات إلى الأبد وترك آثاره..
ولم ينقذ (عرار) سوى المنظمات الإنسانية، والحكومة الكندية، ومما يلفت النظر أن الرجل دخل سوريا من البوابة الخلفية، بواسطة المخابرات الأردنية، لأن النظام التقدمي في سوريا، لا يتعامل مع الإمبريالية مباشرة، بل من تحت الطاولة في سوق سوداء كالحة كالكوز المجخي، وفي يد الأردنيين أصبح جلده (دربكة)؟! مع أن مهمتهم كانت توصيل البضاعة سالمة فلم تصل سالمة؟؟
إن نهاية رحلة عرار بعد الصبر، ونقل قضيته للضمير العالمي، أوصلته إلى مقام القديسين والأبطال، ولو مات بمخالب البعث في آلات تعذيبهم لانضم إلى قافلة الشهداء.
والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم...
وها هو اليوم قد أعيد اعتباره، في يوم عيد له ولعائلته ولكل الكنديين من أصل سوري، في وطن يقدر قيمة الإنسان.
واليوم يمكن قراءة هذه السيرة الباكية المبكية في موقعه على الانترنت، والرجل يتابع حياته بعد الصدمة المزلزلة، يبكي كلما روى قصته، شاهدا على بصمات الزمن الحزين في الضمائر المعذبة...

الأكثر قراءة