المصير المعروف للخطة الأمنية الجديدة لبغداد
أعلنت السلطات العسكرية الأمريكية والحكومة العراقية قبل يومين بدء تطبيق الخطة الأمنية الجديدة الخاصة بالعاصمة العراقية بغداد وسط احتفاء واضح بها من أعلى المستويات الرسمية الأمريكية والعراقية. فرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قدمها لمواطنيه باعتبار أنها تهدف لفرض القانون بالقوة ضد هؤلاء الذين يريدون استمرار التمرد بالعراق، في حين أكد الرئيس الأمريكي جورج بوش أنها ستعطي المجال للحكومة العراقية للقضاء على العنف الطائفي وإعادة الأمن والاستقرار للعراق. وبعيداً عن تلك التصريحات السياسية والإعلامية من قمة هرم السلطتين الأمريكية والعراقية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه على العراقيين أولاً ثم على كل المتابعين والمهمومين بالشأن العراقي هو: هل ستنجح تلك الخطة فيما فشلت فيه كل الخطط الأمنية السابقة في عهد حكومة المالكي وما سبقها من حكومات عراقية في إعادة العراق إلى الحياة الطبيعية الآمنة المستقرة التي انتهت منذ احتلال القوات الأمريكية له عام 2003؟
ودون أي محاولة لاستباق الأحداث والتطورات، فإن ما هو متوافر من شواهد ومؤشرات فيما يخص الخطة نفسها أو الظروف العراقية الداخلية والإقليمية الخارجية المحيطة بها يرجح أن تلحق بسابقاتها من الخطط الأمنية التي لم تفلح في إنقاذ العراق من الكارثة التي يغوص فيها بل وزادت من اتساعها وعمق غرقه بداخلها. فبعيداً عن التفاصيل الفنية الكثيرة للخطة الجديدة، فإن الخطوط الرئيسية فيها تحمل مؤشرات فشلها قبل أن تبدأ في التطبيق الكامل. فالفلسفة الأساسية التي تقوم عليها تلك الخطة هي تمركز القوات المشتركة الأمريكية والعراقية، البالغ عددها نحو 85 ألف فرد منهم 50 ألف عراقي والباقي أمريكيون، في مناطق ثابتة في العاصمة العراقية لإقرار الأمن فيها بدلاً من الفلسفة القديمة التي كانت تقضي بانتقال تلك القوات إلى مناطق العنف والصدام لمواجهتها ثم الانسحاب بعد ذلك إلى مواقعها الأساسية. ويبدو واضحاً أن هذه الفلسفة تقوم على تصور ثبات مناطق العنف والصدام في بغداد وإمكانية السيطرة عليها بالتواجد الدائم لتلك القوات فيها، وهو ما يتناقض مع حقيقة أنه بالرغم من تركز العنف والصدام في بعض تلك المناطق فإن انتقالهما إلى مناطق أخرى بعيدة عن تلك القوات في العاصمة العراقية الواسعة وضواحيها سيكون حينئذ أمراً مؤكداً. كذلك من الواضح أن فلسفة تمركز القوات الأمريكية والعراقية تقوم على تصور خاطئ آخر يقضي بأن ما سوف تواجهه في تلك المناطق هو الصراعات والصدامات المسلحة ذات الطابع المذهبي بين الشيعة والسنة الذين تفترض الخطة أنه الخطر الوحيد الذي يهدد استقرار وأمن بغداد. ففي الحقيقة نسي واضعو الخطة – أو تناسوا – أن جزاء كبيراً من العمليات والمقاومة المسلحة يوجه إلى القوات الأمريكية المحتلة والقوات العراقية المتعاونة معها، وهو ما سوف يزيد من تمركز تلك القوات في مناطق ثابتة مما سيجعل منها هدفاً مفضلاً للقائمين بتلك العمليات المقاومة.
كذلك فإن تقسيم الخطة للعاصمة العراقية إلى عشر مناطق أمنية تتم تفويض إدارتها أمنياً واتخاذ كافة القرارات فيها للقادة الأمنيين الميدانيين من الجانبين الأمريكي والعراقي، من شأنه أن يفاقم الأوضاع الأمنية أكثر من أن يحلها. فأولاً هناك مشكلة الولاءات المذهبية والسياسية المختلفة والمتعارضة أحياناً لهؤلاء القادة العسكريين الميدانيين العراقيين، التي يمكن أن تتمثل في استغلال التفويض الواسع الذي يتمتعون به في مزيد من الصراعات المسلحة المذهبية أو السياسية الموجهة لخصومهم على تلك المستويات. ولا شك أن مثل هذا التفويض الميداني يعد من الناحية النظرية وسيلة فعالة في إنجاح الخطط الأمنية لمعالجة بعض الأوضاع المماثلة للوضع العراقي، إلا أن ذلك يفترض توافر شرطين مهمين لا يتوافران من الناحية الواقعية في الحالة العراقية. أولهما أن تكون الدولة قائمة وقوية والولاء الوحيد لقياداتها السياسية والأمنية لها وليس لانتماءات أخرى سياسية أو دينية أو مذهبية، والشرط الآخر أن يكون القانون المتفق عليه من كل فئات المجتمع هو السيد في الدولة والمجتمع وأن يكون السعي لتطبيقه على الجميع هو الهدف الذي يسعى إليه كل المسئولين السياسيين والأمنيين في الدولة. ومن الواضح لكل ذي عين منصفة ومحايدة أن أيا من هذين الشرطين غير متوافر حالياً في العراق. من ناحية أخرى في نفس السياق فإن تواجد القوات الأمريكية بالعدد الكبير المقرر لها إلى جانب القوات العراقية مع التفويض الذي سيمنح لقادتها أيضاً، سوف يخلق مشاكل كبرى في تقدير المواقف الميدانية بين الجانبين وسيضع قيوداً حقيقية على القادة العراقيين في حرية اتخاذ القرار في ظل ما هو معروف من هيمنة أمريكية عسكرية وأمنية واسعة على الأوضاع في العراق كله وليس في بغداد وحدها.