بـوش والنفـط

[email protected]

استحوذ موضوع الطاقة على فقرة رئيسة في الخطاب السنوي للرئيس الأمريكي جورج بوش الذي ألقاه مساء الثلاثاء الماضي أمام الكونجرس. ما قاله في مجال الطاقة يتلخص في ثلاثة أمور: تخفيض الاعتماد على النفط المستورد، زيادة استخدام مصادر الطاقة البديلة، خاصة الوقود الحيوي، ومضاعفة حجم احتياطي النفط الاستراتيجي.
فشلت الولايات المتحدة في تخفيض اعتمادها على النفط المستورد خلال الـ 30 سنة الماضية رغم حصولها على إمدادات النفط من ألاسكا وزيادة إنتاجها من خليح المكسيك، فكيف لها أن تخفف اعتمادها على النفط المستورد وليس هناك أي حقول جديدة؟ إذا كان التخفيض سينتج عن استخدام الإيثانول، وهو مادة كحولية تستخرج من الذرة، فإن كل الدراسات تشير إلى أن أقصى ما تستطيع الولايات المتحدة القيام به هو استبدال 20 في المائة من استهلاك البنزين الحالي، وهذا يفسر تركيز الرئيس في خطابه على هذه النسبة بالذات. المشكلة أن الرئيس ذكر أن هذا ممكن خلال عشر سنوات، وهو أمر ممكن، ولكن كنسبة من نسبة الاستهلاك الحالية، وليست المستقبلية. بعبارة أخرى، حتى لو تمكنت الولايات المتحدة من إنتاج كل الإيثانول الذي يمكنها إنتاجه فإن ما دعا إليه بوش لن يحصل. لم يحقق الإيثانول النتائج المرجوة منه لأن كمية الطاقة التي يحتويها أقل من البنزين، لذلك فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى كميات إيثانول أكبر من كميات البنزين التي ترغب في التخلص منها. بالإضافة إلى ذلك فإن نتائج استخدام الإيثانول غير مشجعة على الإطلاق لأن إجبار الحكومة المصافي على مزج البنزين بالإيثانول رفع أسعار الذرة بشكل كبير، الأمر الذي أدى بدوره إلى رفع تكاليف علف البقر، وبالتالي رفع تكاليف إنتاج اللحوم والحليب.

مضاعفة حجم احتياطي النفط الاستراتيجي
يقتضي هذا المشروع إضافة 100 ألف برميل يومياً إلى الاحتياطي الاستراتيجي ولمدة عشرين سنة بهدف تعزيز أمن الطاقة في الولايات المتحدة، وربما تعزيز سياستها الخارجية لأن وجود هذا النفط في متناول يدها يوسع الخيارات أمامها في التعامل مع الدول النفطية، خاصة المعادية منها. إن ما شجع بوش على اتخاذ هذه الخطوة هو أن الشركات العاملة في خليج المكسيك تدفع الريع للحكومة عينا وليس نقداً، الأمر الذي مكن الحكومة من ملء الاحتياطي بسهولة في السنوات الخمسة الماضية. أما الآن وقد وصل الاحتياطي إلى أعلى مستوى يسمح به القانون، فإنه من المنطقي إصدار قانون آخر لاستيعاب الكميات التي سيتم تسلمها في المستقبل.

ما أثر ملء الاحتياطي على أسعار النفط؟ يرى بعض الخبراء أن هذا القرار سيسهم في رفع أسعار النفط، بينما يرى آخرون أن أثره لا يكاد يذكر لأن 100 ألف برميل يومياً تمثل نسبة بسيطة جداً من 85 مليون برميل يتم استهلاكها يومياً. يرى آخرون أن الأثر يعتمد على نوعية النفط التي سيتم تخزينها. فإذا قررت الحكومة تخزين النفط الخفيف فإن قرار ملء المخزون سيرفع أسعار النفط نسبياً، أما إذا اختارت النوع الثقيل فإن القرار لن يؤثر في أسعار النفط. تشير الدراسات إلى أن وجود الاحتياطي يخلق سقفاً لأسعار النفط يمنعها من تجاوزه، خاصة إذا توقع التجار والمضاربون أن الحكومة جادة في السحب من الاحتياطي لوقف ارتفاع أسعار النفط. إلا أن الدراسات تشير أيضاً إلى أن قدرة الحكومة على تخفيض أسعار النفط عن طريق السحب من الاحتياطي الاستراتيجي محدود جداً، خاصة في حالة الطوارئ. بغض النظر عن الآراء السابقة فإن القيام بملء الاحتياطي سيزيد الطلب على النفط بمقدار 100 ألف برميل يومياً، أو أنه سيسحب هذه الكمية من السوق.

هل سيسهم قرار مضاعفة الاحتياطي في تعزيز أمن الطاقة الأمريكي؟
لا، لأن حجم الاحتياطي سيزيد كرقم وليس كنسبة من الواردات أو الاستهلاك. بعبارة أخرى، إذا تمت مضاعفة الاحتياطي في وقت تتضاعف فيه واردات النفط فإن عدد الأيام التي يغطي فيها المخزون واردات النفط سيبقى نفسه. ولكن الأمور ستكون أسوأ لأن البيانات تشير إلى أن الاحتياطي الاستراتيجي أصبح بديلاً للمخزون التجاري. فكلما رفعت الحكومة مستوى الاحتياطي الاستراتيجي خفضت الشركات من مستوى المخزون التجاري، خاصة ذلك الجزء الذي تحتفظ به الشركات للاستخدام في حالة الطوارئ. بعبارة أخرى، أصبح الاحتياطي الاستراتيجي وسيلة دعم حكومية لشركات النفط، خاصة بعد أن نشطت الحكومة في إقراض النفط كلما احتاجت إليه الشركات.
المشكلة التي ستقع فيها الولايات المتحدة في المستقبل هي أن الولايات المتحدة قد تخسر عشرات المليارات من الدولارات إذا استمر ملء الاحتياطي بأنواع النفط المتوسط والثقيل. يعود ذلك إلى عدم مواءمة سياسات الطاقة السياسات البيئية. فالقوانين البيئية تزداد صرامة يوماً بعد يوم وتتطلب استخدام مشتقات نفطية خفيفة لا يمكن استخراجها من النفوط الثقيلة إلا بتكاليف عالية. بالإضافة إلى ذلك فإن هناك مشكلة الموقع الجغرافي لأن مراكز التخزين الحالية تتركز في تكساس ولويزيانا. إن الاحتياطي، مهما كان حجمه، لن يحل مشكلة نقص إمدادات النفط في غرب أو شمال الولايات المتحدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي