عن الميزانية الجديدة
أصبح صدور الميزانية السعودية مناسبة وطنية، فالناس منذ عدة سنوات ينتظرونها بفارغ الصبر حتى الذين ليست لديهم أدنى علاقة بعالم المال والأعمال. وعندما تطالع الصحف في صباح اليوم التالي لصدور الميزانية، فإنك تجد العناوين كلها متشابهة حيث تقرأ بالبنط العريض على الصفحات الأولى المانشيتات التالية:
ميزانية الخير والبركة، وميزانية الرخاء وغيرها من عبارات متفائلة.
وتغير الوضع في السنوات القليلة الماضية حيث بدأ المحللون والمصرفيون والاقتصاديون يتفحصون الميزانية وينظرون إليها بكل جدية وصراحة. ويعود هذا إلى أن الحكومة جعلت الميزانية وثيقة علمية وإلى حقيقة أن قطاعات الشعب المختلفة قد أصبحت أكثر وعيا اقتصاديا وماليا.
وتعتبر ميزانية المملكة العربية السعودية لعام 2007 التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وثيقة مهمة، وهي تحطم الأرقام القياسية السابقة في الإنفاق على عدة وجوه أهمها التعليم والتدريب, حيث تمت زيادة المبالغ المخصصة لهما بصورة كبيرة.
وفيما يعتبر مؤشرا قويا على متانة النمو الاقتصادي، فإنه سيتم إنفاق نحو 380 مليار ريال سعودي (101 مليار دولار أمريكي) في السنة المقبلة من دخل يقدر بنحو 400 مليار ريال سعودي (106 مليارات دولار) . وقد بنيت تقديرات الدخل على أسعار محافظة للنفط يتوقع أن ترتفع لاحقًا وبالتالي يزيد الدخل بصورة كبيرة بنهاية العام. وواضح من هذه التقديرات الواقعية، أن الحكومة مصممة على أن تعيش في إطار مواردها.
وفي غضون ذلك، فإن العمل الجاد يجري لتخفيض حجم الديون بحيث من المتوقع أن ينخفض مستوى الديون في نهاية العام المالي الحالي إلى نحو 366 مليار ريال سعودي أي ما يعادل نحو 28 في المائة من الناتج القومي الإجمالي.
وستتواصل عمليات السداد من الوفورات في السنة المقبلة، ويتوقع المحللون أن يتم سداد كل الديون المحلية خلال السنوات القليلة المقبلة.
ولا شك أن سوق رأس المال المحلية السعودية لا تزال في بداياتها الأولى من عملية النمو والتطوير فهناك الكثير من الأموال التي تطارد فرصا قليلة للاستثمار. هذا أدى إلى دورة من الطفرة لأن أداء السوق لم تحركه الأساسيات الكامنة بل العواطف الاستثمارية.
ومن المؤمل أن تكون التصحيحات الأخيرة على أسعار الأسهم السعودية قد لقنت المستثمرين درسا مفيدا، وهناك الكثير من المفاجآت السارة في انتظار الشركات السعودية العاملة في مجال التنمية كجزء من خطة التنمية الخمسية الثامنة. وعلى المستثمرين أن يركزوا اهتمامهم على الأداء التشغيلي والمالي بدلاً عن البحث عن فرص استثمارية براقة لكنها قصيرة المدى. وهنا يمكن أن
تؤدي المملكة دورًا مهما في سوق رأس المال المحلية من خلال برنامج لإصدار سندات تتمتع بدرجة عالية من التداول. وفي بعض الأحيان، يمكن استخدام السندات قصيرة الأجل للاستفادة من السيولة الزائدة أو لتحفيز السوق.
والمملكة التي كانت تعتز دائما بأنه ليس عليها أي ديون، قبلت الاستدانة كمصدر مشروع للتمويل. والآن يمكن أن تشرع المملكة في استخدام سندات الدين كأداة لتحقيق بعض الأهداف على مستوى الاقتصاد الكلي.
ومتوسط النمو المتوقع في الناتج القومي الإجمالي للقطاع الخاص، وهو 6.3 في المائة، يخفي مساهمة القطاع غير النفطي بنسبة 10.1 في المائة, خاصة بالنسبة إلى مستوى العالم.
والطلب على الدعم اللوجستي والتخطيط من شركات البناء الرائدة يعتبر كبيرًا بصورة مذهلة. كما أن الطلب على الموارد سواء على مخططي ومهندسي المشاريع أو حتى مواد البناء البسيطة مثل الفولاذ والأسمنت قد أدى بالفعل إلى ضغط على الأسعار.
إن إدارة تضخم الأسعار الحتمي في المستقبل ستكون من بين التحديات الكبرى لكن المملكة، باقتصادها الصحي لن تقلق كثيرًا من هذه المسألة شريطة ألا تكون هناك أية أخطاء في التعامل مع التضخم. ومن المهم أن تستخدم هذه الميزانية الجديدة أداة لتحسين الإنتاجية, وبالتالي زيادة معدلات النمو الاقتصادي.