تأملات في ميزانية السعودية والتبشير بالخير

[email protected]

أقل ما يمكن ما يقال عن ميزانية عام 2007 أنها الأكبر في تاريخ السعودية الأمر الذي يشير إلى نية السلطات تسجيل تطور نوعي في الاقتصاد الوطني. تبلغ قيمة الإيرادات المقدرة 400 مليار ريال (نحو 107 مليارات دولار) مقابل 380 مليار ريال حجم المصروفات الأمر الذي يعني توقع فائض قدره 20 مليار ريال. وعلى هذا الأساس تم تسجيل زيادة قدرها 45 مليار ريال في حجم المصروفات لعام 2007 مقارنة بالأرقام المقدرة لعام 2006.
بيد أن الفائض الحقيقي ربما يكون أكبر من ذلك بكثير نظرا لتبني السلطات رقما محافظا لمتوسط سعر النفط. المعروف أن الدخل النفطي يشكل حجر الزاوية فيما يخص دخل الخزانة. يعتقد بأن السلطات استخدمت رقما محافظا فيما يخص سعر النفط يبلغ نحو 35 دولارا للبرميل. ويعد هذا الرقم متدنيا بشكل نوعي عن طبيعة الأرقام السائدة في السوق. بل من المتوقع أن يبلغ المتوسط 55 دولارا للبرميل الواحد. بدورنا نرى صواب تبني رقم متحفظ لكن ليس إلى درجة التشكيك في مصداقية الأرقام المقدرة.

مشاريع تنموية وخدمية
فيما يخص المصروفات اعتمدت الحكومة مبالغ ضخمة لتنفيذ المشاريع التنموية والخدمية. في التفاصيل قررت السلطات تخصيص مبلغ قدره 26 مليار دولار لقطاع التعليم فضلا عن أكثر من عشرة مليارات دولار للخدمات الصحية والتنموية إضافة إلى نحو سبعة مليارات دولار للمياه والزراعة والخدمات الأساسية. من شأن هذه الخطوات في المجموع تعزيز مكانة المملكة على مؤشر التنمية البشرية. يشار إلى أن السعودية نالت المرتبة رقم 76 في تقرير التنمية البشرية لعام 2006 والصادر من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي, إذ تعد هذه النتيجة الأسوأ بين دول مجلس التعاون الخليجي.
كما أن بمقدور الزيادة في المصروفات تحقيق جانب من الأهداف التنموية للخطة الخمسية الثامنة التي تشمل إيجاد عشرات الآلاف من الوظائف للمواطنين فضلا عن زيادة القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي في ضوء متطلبات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية. كما أن ارتفاع حجم المصروفات سيسهم في تحقيق أكبر نسبة نمو زياد في الناتج المحلي الإجمالي. تتوقع السلطات أن تبلغ نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.2 في المائة بالأسعار الثابتة (أي المعدلة لمعدلات التضخم) في لعام 2006.

فائض ميزانية 2006
حسب المصادر الرسمية من المتوقع أن يتم تسجيل فائض قدره 265 مليار ريال (نحو 71 مليار دولار) في عام 2006. ويشكل هذا الرقم نسبة نمو قدرها 24 في المائة مقارنة بالفائض الذي تحقق في عام 2005 وذلك على خلفية ارتفاع وبقاء أسعار النفط مرتفعة. حقيقة القول فقد نجحت السعودية في تسجيل فائض للعام الرابع على التوالي. في المقابل كان العجز المالي السمة البارزة للميزانية لنحو عقدين من الزمان.
من جهة أخرى، كان لافتا قيام الحكومة بتحويل 100 مليار ريال (أكثر من 26 مليار دولار) من الفائض إلى الاحتياطي العام. بل يعتقد بأنها المرة الأولى منذ أكثر من 20 عاما التي تقوم بها الجهات الرسمية بتعزيز الاحتياطي الاستراتيجي للمملكة. حقيقة تستحق هذه الخطوة الثناء والتقدير لأنها تعكس رغبة حكومة خادم الحرمين الشريفين بالاحتفاظ بقدر من الاحتياطي لتغطية متطلبات النمو السريع للدورة الاقتصادية وعلى الخصوص عرض النقد ما يعني توافر السيولة. كما أن دعم الاحتياطي يخدم متطلبات إنشاء الاتحاد النقدي بين دول المجلس في العام 2010. يشار إلى أن دول المجلس (باستثناء عمان التي بدورها قررت عدم الانضمام للاتحاد النقدي في التاريخ المحدد) ألزمت نفسها بالاحتفاظ بقدر من الاحتياطي يغطي قيمة واردات لأربعة أشهر.

تقليص العجز
إضافة إلى ذلك, نفذت الحكومة سياسة مالية صائبة وذلك باستخدامها جانب من الفائض المالي في تقليص حجم الدين العام. وعليه يتوقع أن ينخفض حجم الدين العام ليصل إلى 366 مليار ريال (نحو 98 مليار دولار) مشكلا 28 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2006. في المقابل بلغ حجم الدين 460 مليار ريال أي 39 في المائة من قيمة الناتج المحلي في عام 2005. كما مثل الدين العام نحو 87 في المائة من الناتج المحلي في عام 2003.
يبقى بأن المطلوب من السلطات تنفيذ المصروفات المرصودة في ميزانية عام 2007 لأن الأمر ينصب في مصلحة الاقتصاد الوطني. باختصار نأمل أن تتكرر تجربة عام 2006، حيث تشير بعض التقارير إلى ارتفاع حجم المصروفات من 335 مليار ريال إلى 390 مليار ريال. كما أن من شأن تنفيذ الحكومة للمصروفات المرصودة تشجيع القطاع الخاص على القيام بمبادرات جديدة. فالاستثمار في الاقتصاد ضروري لتعزيز الفرص الوظيفية للمواطنين خصوصا أن المطلوب إيجاد وظائف تتناسب وتطلعات المواطنين. فالعبرة لا تكمن بالضرورة في توفير أكبر قدر من الوظائف الجديدة دون النظر إلى جودتها ومزاياها.
ختاما يبدو جليا أن التطورات الاقتصادية في المملكة تبشر بخير. أملنا أن تنجح الجهود في تحقيق نمو نوعي في الاقتصاد المحلي حتى يتسنى القضاء على التحديات وفي مقدمتها تعزيز فرص العمل للمواطنين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي