قراءة في القرارات الاقتصادية لقمة مجلس التعاون

[email protected]

حققت قمة مجلس التعاون الخليجي السابعة والعشرون, التي عقدت في الرياض, بعض الإنجازات على صعيد مسيرة التكامل الاقتصادي بين دول المجلس. تحديدا جدد القادة التزامهم باستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي, فضلا عن تنفيذ التفاصيل المتعلقة بالسوق المشتركة مع نهاية عام 2007. كما أكدت القمة تطبيق مشروع الاتحاد الجمركي في عام 2010. تناقش السطور التالية النتائج الاقتصادية للقمة كما جاء في البيان الختامي.

الانتهاء من الاتحاد الجمركي
بخصوص الاتحاد الجمركي, اعتمدت الدورة السابعة والعشرون (أو قمة جابر تخليدا لذكرى أمير الكويت الراحل) الدليل الموحد لإجراءات الرقابة على الأغذية المستوردة عبر منافذ دول المجلس مع العالم الخارجي. وجاء هذا التوجه استكمالا للقرار الذي اتخذ في القمة السادسة والعشرين التي عقدت في أبو ظبي في نهاية عام 2005, حيث اعتمد المجلس الأعلى وثيقة "السياسة التجارية الموحدة" مع الدول الأخرى. يعتبر توحيد السياسات التجارية الخارجية مع الدول غير الأعضاء ضمن الشروط الجوهرية للاتحاد الجمركي.
للتذكير, يعود تاريخ دخول اتفاقية الاتحاد الجمركي حيز التنفيذ إلى عام 2003. وحسب الخطة الأصلية كان المفروض أن تنهي دول الخليج الإجراءات المطلوبة لتحقيق الاتحاد الجمركي مع نهاية عام 2005, لكن قرر قادة دول المجلس في القمة رقم 26 مضاعفة الفترة الانتقالية حتى عام 2007.

تنفيذ السوق المشتركة
يرتكز مفهوم السوق المشتركة في منح وسائل الإنتاج الحركة في التنقل بين الدول الأعضاء. في التفاصيل بارك البيان الختامي لقمة الرياض على وجه التحديد لجنة التعاون المالي والاقتصادي بخصوص إضافة أنشطة جديدة يسمح بموجبها لجميع رعايا دول المجلس ممارستها داخل الدول الأعضاء. وهذه الأنشطة هي: خدمات التأمين والتعقيب لدى الدوائر الحكومية. وقد تم تنفيذ هذه الخطوات في فترات متفاوتة في العام الجاري.
تضاف الأنشطة الجديدة إلى خطوات أخرى تم اتخاذها في عام 2005 مثل السماح بفتح مكاتب التوظيف الأهلية وتأجير السيارات ومعظم الأنشطة الثقافية. وشدد البيان الختامي على سرعة استكمال المتطلبات الأخرى للسوق المشتركة بنهاية عام 2007.
المؤكد أن هناك حاجة ماسة للمزيد من الخطوات الأخرى لتنفيذ مشروع السوق المشتركة مثل حرية السماح لرعايا المجلس بامتلاك الأسهم في أسواق المال المحلية. وفي هذا الخصوص يلاحظ أن بعض الدول الأعضاء تضع قيودا فيما يخص السماح بالاستثمار في أسواق المال.

التأكيد على الاتحاد النقدي
وكان لافتا تأكيد بيان القمة تنفيذ البرنامج الزمني لإقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة, لكن دون الإشارة إلى تاريخ محدد, الأمر الذي فتح الباب أمام إمكانية تأجيل التنفيذ ربما بسبب المخاوف التي أبدتها عُمان. وكانت عُمان قد بينت بشكل واضح عدم قدرتها على استيفاء شروط الانضمام إلى الاتحاد النقدي الخليجي مع حلول عام 2010, وهي السنة المعلنة لتنفيذ هذا المشروع الطموح.
وكلفت القمة كلا من اللجنة المالية والاقتصادية ولجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية باستكمال بحث معايير مسائل تقارب الأداء الاقتصادي والنسب المتعلقة بها. لكن يبدو لنا أن لكل حادث حديثا وأن إمكانية تأجيل تنفيذ بعض تفاصيل الاتحاد النقدي واردة. يشار إلى أن دول المجلس قطعت أشواطا طويلة في عملية تنفيذ الاتحاد النقدي، بدليل ارتباط كل العملات الخليجية بالدولار الأمريكي (مع احتفاظ الكويت بهامش من الحرية). كما أن هناك تشابها في السياسات المالية مثل عدم تدخل السلطات في التأثير في معدلات الفائدة, فضلا عن عدم وجود سياسة ضرائبية على الدخل.

سلبيات العملة الموحدة
لكن ليس بمقدور أصحاب القرار ليس فقط في عُمان بل في غيرها من دول المجلس التغاضي عن السلبيات المتعلقة بتنفيذ الاتحاد النقدي. باختصار تتمثل السلبيات في عدم قدرة أي دولة من الدول الأعضاء معالجة مشكلاتها الاقتصادية بمنأى عن الدول الأخرى. فالعملة الموحدة تحرم الدول الأعضاء من تبني سياسات اقتصادية أحادية تعالج أوضاعها المحلية بسبب الشروط المفروضة مثل ضمان عدم ارتفاع معدل المديونية عن نسبة معينة, فضلا عن شروط أخرى تتعلق بمستويات عجز الموازنة العامة والتضخم.
كما توفر تجربة منطقة اليورو عبرة لمن يعتبر. فقد ارتفعت قيمة اليورو بنسبة 35 في المائة في غضون أقل من أربع سنوات. وتكمن مشكلة ارتفاع قيمة اليورو في إلحاق أضرار بصادرات دول منطقة اليورو, وبالتالي الدورة الاقتصادية وأمور حيوية مثل إيجاد فرص عمل جديدة. فارتفاع قيمة العملة يخدم الواردات حيث تصبح أقل تكلفة لكنه ينال من القدرة التنافسية للصادرات حيث تصبح المنتجات أغلى من ذي قبل, الأمر الذي ينال من القوة الشرائية لليورو. يشار إلى أنه ليس بمقدور أي دولة في منطقة اليورو تبني سياسات اقتصادية أحادية لمعالجة مشكلاتها الاقتصادية مثل البطالة بسبب شروط الانضمام إلى العملة الموحدة وضرورة المحافظة على نسب معينة للمديونية والعجز والتضخم.
نتمنى أن تتمكن دول المجلس من تنفيذ بقية التفاصيل المتعلقة بمشروع السوق المشتركة خلال عام 2007, أي قبل حلول موعد انعقاد القمة رقم 28 في عُمان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي