معركة ستالينجراد

معركة ستالينجراد

[email protected]

لعله لم يحدث في تاريخ الجنس البشري أن كلفت معركة من الضحايا كما كلفت معركة (ستالينجراد)، بما فيها هيروشيما التي ضربت بالسلاح النووي؛ سوى أن الأخيرة أخذت بسرعة إلى القبور 150 ألفا من الأنام؛ أما ستالينجراد فقد مات في لظاها مليونا إنسان، من أمم شتى من الشعوب الروسية، التي حملت بالقطارات إلى أرض المعركة، بالكاد تحمل السلاح والذخيرة، ومن الطرف الآخر حصدت من أرواح الألمان والإيطاليين والمجريين والرومانيين مئات الآلاف.
ومع أن مسار الحرب لم يكن مخططاً له أن يقف عند هذه المدينة، إلا أن المعركة حول هذه المدينة أصبحت رمزاً لعراك طاغيتين: هما هتلر وستالين، وعلى نحو شخصي، فطالما كان اسم المدينة يحمل اسم ستالين، ويجب تدميرها ومسحها من الوجود، وطالما أراد هتلر تمريغ وجه ستالين في التراب، ويجب أن يموت الروس من أجل رفع هامة ستالين. ألا لعنة الله على القوم الظالمين.
لم يبق من سكان المدينة المنكوبة إلا 1500 شخص، بعد أن كانت تعج بنصف مليون من الأنام، وهدم 99 في المائة من المدينة، وتحول 41 ألف منزل الى ركام، ومعها 300 مصنع و113 مستشفى ومدرسة.
بدأت المعركة في صيف عام 1942 م حينما كان هتلر يتمدد إلى الشرق للوصول إلى حقول البترول في باكو وأذربيجان والقوقاز، ثم تورط في أوحال هذه المدينة، وكلفته خسارة هائلة، بل وانقلاب ميزان الحرب.
وفي فيلم (العدو على البوابة) يقربون إلى الخيال أهوال تلك الأيام؛ فنرى بشاعة الحرب أكثر من العنتريات والبطولة الفارغة .
وفي الوقت نفسه ندرك معنى عبثية الحرب وجنونها وإفلاسها الأخلاقي، حيث ترسل جموع الشباب بكل استهتار إلى مسالخ فعلية.
لقد بدأ الزحف الألماني مع نهاية (آب) أغسطس، وخيل إليهم أنها مسألة أيام قليلة أمام مدرعات الجيش النازي.
أما الطاغية ستالين فشعر أنها قضية شخصية، فأرسل (خروتشوف) المفوض السياسي، ليتولى إدارة الحرب فيها.
ومع المعارك الطاحنة تحولت الحرب الى قتال شوارع بالمدي والخناجر والطبنجات والأيادي، وسفح من الدماء أنهار، وتكومت الجثث، فلا أحد يرفع، وأهلك البرد والجوع الناس، وفرت الجموع على وجهها حذر الموت فقال لهم الله موتوا.
وأكلت الفئران والجرذان أصابع الجنود المتموتة المسودة صقيعا، ولم يبق طعام فأكلوا لحوم البشر وجلود الجرذان.
وعس الموت في كل زقاق، وهلك الناس من المجاعة، ودمر كل شيء، وكل حياة، وكان تسلط القمل على الجنود مرعبا.
وصبر الطرفان على منازلة البعض بكل سلاح، وكان يهلك في اليوم الواحد الآلاف، وفي يوم عيد الميلاد، مات بضربة واحدة 1820 شابا ألمانيا أشقر. وخسر تشوكوف القائد الروسي نصف جيشه، البالغ مائة ألف في فترة قصيرة. وفي ثلاثة أيام ذبح منهم 13 ألفاً ويزيدون.
وفي النهاية تم تطويق الجيش الألماني السادس من 80 فرقة روسية، تدعمها 60 فرقة أخرى، وقع (فون باولوس) قائد القوات الألمانية الرومانية المشتركة في كماشة.
ومع حماقة هتلر وإصراره أن يقاتل ولو في الكماشة، وأنه سيرسل له إعانات من الجو، استسلم الألمان في شباط (فبراير)، بعد ستة أشهر من القتال المرير، بعد خسائر مروعة بلغت 400 ألف جندي، كما خسر الروس 750 ألفا بين قتيل وجريح ومفقود، وخسر الإيطاليون أكثر من 130 ألفا والمجريون والرومان 320 ألفا، وما تبقى من الجيش السادس العرمرم استسلم، ومن أصل 360 ألفا وقع في الأسر 90 ألفا، ولم تكتحل أعين سوى خمسة آلاف منهم برؤية الوطن مجددا.
وعندما كنت أختص في ألمانيا اجتمعت ببعضهم؛ فكانوا يروون لي الأهوال. فقد ابتلعت ثلوج تلك السهوب أرواحا بائسة بدون شبع، وحصد ملك الموت بمنجله حصادا وفيرا.

الأكثر قراءة