(عَفــا اللهُ عمَّـا سلفْ)
كريكاتير "الاقتصادية"، صفحة (الناس) يوم الثلاثاء 28/11/2006، خطف الفكر و"فرصع عويناته"، وأثار تساؤلات في الخلد لمدى عمق مواجع الأسى المنطوية في طيات مشاعر قناعات المواطن لتراخى المسؤول العميق، أثناء ساعات العمل على (ماصته)، دون اكتراث لواجباته تجاه المراجع المُستسلم لقدره مسترجياً (مقسومة) القول "ودي أعرف حجمي عندك كمواطن.. في ميزان واجباتك الوظيفية"، واحتمالات ظهور روابط فرضية لتقارب أفكار رسام الكاريكاتير لنمط من المعوقات الاقتصادية الاجتماعية التي يفرزها "المواطن" من موقع المسؤولية الخدمية من جهة، وطلباته وتطلعاته إلى مواقع الاحتياجات المسؤولة. التفريق في الحُسْ بين نظرة المواطن المراجع والمسؤول المقدم للخدمة، تتماثل مع النظر بعين واحدة فاقدة رؤية (المشكلة) ومناصرة أو خازلة المواطن وفقاً لهواها للموقع الذي هو عليه، بينما كل منهما ربما ابتعد أو تهاون في معرفة حقوقه وواجباته بعد أن تغيرت نظرة المواطن وفهمه لكثير من القيم والاحتياجات والحقوق والواجبات خلال نصف قرن مضى. وأصبح الفرد منا يختار بمزاجية، تغلب عليها الأنانية، ما يقدمه من جهة ويطلبه من جهة أخرى وفقاً لمفهومه للنظم والقوانين.المفاهيم الجديدة للحقوق والواجبات تصبح مجريات للتعاملات مضطربة.
تبسيط الأمور الحياتية لفكرة من ضمن أفكار تخالج كل منا، تمثل إضافات لاجتهاد مبذول لقراءة متفردة لكاريكاتير "الاقتصادية"، من حصيلة يومية العديد من الصور المتحركة في مجموعة الصحف المحلية، إضافة إلى المقالات الرصينة للمواضيع الاقتصادية الاجتماعية، والتي تمثل في مجموعها حصيلة كبيرة لمعاناة "الوطن" من صراع خفي وغير معترف به ولا اهتمام لنتائج التغير المجتمعي القديم المؤسس على عادات وتقاليد لأطياف متحابة لأقسامه المختلفة ومتمسكة بقيمها وعاداتها وتقاليدها، وقانعة بنعمها وراضية بمعاناة متوارثة، لتجد نفسها في صراع العيش مع مجموعات متفاوتة التكوينات والتركيبات والقيم، ضمن أطر نظامية وتركيبات مفروضة وفقاً للظروف ومتغيراتها لنصف قرن دون إيضاح كاف وتدريب واف يجعلها تتمازج مع استمراريته وتطبيقاته المزاجية المطولة والجامدة في بعض الأحيان والمطاطة في غيرها، موفرة الضياع والحيرة واليأس وجلد النفس والتناحر عند اختلاف المواقع للمواطن الواحد لتظهر شاخصة أمامنا في هيئة فريقين متناحرين. ما يقلل من وقوع الواقعة أن الضائع المستمر بيننا مصالح الوطن لما يريده المواطن، بينما كلنا القائم المتغير، ودون ذلك يحدث التصادم مثل ما حدث في (مسرحية الرياض) وإلغاء معرض الرياض التجربة الأولى"ترطعة" في الهواء والثانية تطبيق الجهل بطرق علمية.
السيئ من منظور التنمية الاقتصادية الاجتماعية، أنَّ الاقتصاد الوطني لا يستفيد من حصاد قدراته وإمكاناته بالكامل ولا يتمتع المواطن من ثمراتها بالقدر الوافي. الأسوأ مجتمعياً، تحوُّل الصراع إلى (تماسك) الأيادي وبعثرة النعمة للمزاحمة الخارجية التي تسلك أساليب عصرية متناسقة تتماشى مع الهدف المرسوم والعمل المخطط والقيم السليمة والعادات الحسنة والتقاليد الطيبة مركبة في أحسن صورها لمعيشة رغدة للمواطن. كسب الجولات يتطلب توجهات سليمة للعمل وفق برامج دقيقة وإنفاذ سليم في إطار مركزي يوفر الهيكليات الإدارية الجيدة لتوزيع صلاحيات متكافئة وتوازن عادل لاحتياجات الاقتصاد الوطني. تسلم الخدمة المقننة وتبعد الاقتصاد الوطني عن فلسفة الإنفاق غير المرتبط بموازين احتساب تحقيق الفوائد المقارنة المقررة، وبناء الأجيال، لتعمل وتنتج وتربح لتعيش وتدخر للمستقبل. الطريق الذي نسير عليه في استشعار المواطن لحقوقه وواجباته ضمن التحديث والتنمية وتحقيق المعرفة، إذا لم يكن قادراً على توفير تناسق وتقارب بين إفرازات التغيرات التي يقطرها المجتمع، والمعرفة المتفردة، فإنَّ تراكم المشاكل الاجتماعية تغلب على المكاسب المحققة. سوق المال تحول من فاتحة خير للاقتصاد الوطني إلى محنة خطيرة يحترق بنارها مواطنون أبرياء، وتمثل (لهاليبها) تحديات كثيرة لقدرات المسؤولين وخبراتهم. أمراض التقدم الحضاري تفتك بالاقتصاد الوطني بقدر "توطين" البيروقراطية وفقدان الشفافية وضعف المسألة بأشكال نشعر بها ونتناساها، ونتحرج من وجودها ولا نوفر المقارنة اللازمة كاملة، بالعلم والمعرفة في الوقت المناسب، من الضنك إلى الإيدز والمخدرات وما يترتب عليها من جرائم التفكك الأسري.
الالتفات الجماعي المؤسساتي المنتظم القائم حالياً، يتخلف كثيراً عن التحديات المعطلة للقدرات الرسمية وتطوعات الأفراد. التوجهات التقليدية والإجراءات الرسمية المطولة تغلب عليه، وتنعكس في تقليل منافع الإنفاق الحكومي الكبير على التشييدات الأساسية لتطوير وإصلاح وصيانة البنية التحتية. المجال واسع لفكر المواطن المتأذي من نواقص الخدمات، ليصب غضبه في الانتقاد والشكوى، ناهيك عن الأسى والحسرة. يزيد (صراع) المواطن مع النفس والغير، تخلف الخدمات الأساسية والمعرفية والبنية الفوقية من الكهرباء إلى الماء والتدريب المهني والتعليم.. إلخ. تضاعف ألم الحسرة يتزايد لتدني توافرها عن الرغبات الاستهلاكية المتولدة فكرياً في أنماط حياته خلال نصف قرن. رجوع الفكر والرغبات إلى الوراء لمستويات نصف قرن، من المستحيل، ترك الصراع النفسي الداخلي المسموع الأصوات وإهماله غير مستحسن لأضراره على المواطن والوطن.
متابعة أمراض العصر الاجتماعية عشوائياً أو انتقائيا تتماثل مع زيارة "ديار ليلى" للمواساة والمجاملات. التفاهم مع المشكلات والتحديات لتجنب الصراع، يتطلب تقارب النفس مع العقل للتبصر في حقيقة التباعد الفكري بين المنتجات الفكرية السائدة والطرق والأساليب المتبعة في متابعة المسؤوليات الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية، والخيارات المتوافرة لتقريب تشتت الرغبات النفسية والمادية مع تعاون المواطنين من مواقعهم المختلفة لعمل منتج ومعيشة قانعة ونفس راضية وتعاون صادق بين مختلف طبقات الدنيا.
لتوفر الدخول، الإنفاق ـ ولله الحمد ـ منهمر على المشاريع التشييدية في شتى مناحي الحياة. الاستفادة من التشييدات من منظور المواطن مبتورة لتأخر وصول مخرجاتها في الأوقات المحددة، أو لنقصها عن المطلوب أو لانخفاض مستوياتها عن الرغبات الحقيقية أو المتأثرة بالوعود المعلنة أو إطـِّلاعهم الفضائي أو تجاربهم الخارجية. ليس من المستبعد أننا إذا أخذنا بعين الاعتبار تخلف المخرجات عما يجب أن تكون عليه واعترفنا أن التطلعات تزيد كثيراً على مستويات المعيشة المعقولة، فإنَّ عوامل الخلل الفكري الذي نحن عليه نتاج المعرفيات التي نتلقاها في مدارسنا وجامعاتنا وتوجهنا للفضائيات الخارجية والابتعاد عن الحركة الإعلامية والمعرفية المحلية. التدقيق في حقيقة تأثير المتوفرات التشييدية العلوية التعليمية والعلمية والفكرية من أولويات فلسفة التنمية الاجتماعية، ضمن ضروريات التحقق من أساسيات الأساليب الاقتصادية المتبعة والوسائل المستخدمة في تنفيذها والتسلسل في إنجازها.
الاجتهادات التشاؤمية المتداولة بين بعض المواطنين في انتقاد "أحوالنا"، ليست مدروسة علمياً، ولا تعترف أننا، في حقيقة الأمر نبرئ أنفسنا من كل عيب ونلوم من حولنا للنواقص، ولا نقارن بين ما نقدمه بأنفسنا من أعمال غير متكاملة الإتقان بينما نطالب بها. أننا ربما ننسى أو نتناسى النعمة المتوافرة، ونبدو وكأننا ناكرون وجودها. طالما أننا نعيش حياة عدم الرضا، لدرجة جعلت الهمس جهراً، فلابد من التبصر في الفكر السالب الذي يخالج المواطن في المواقع المختلفة من الحياة لإصلاح الخطأ أو الرجوع إلى خطة العمل التنموي الاقتصادي الاجتماعي لمراجعته خاصة من منظور الشفافية والتعليم السليم والإعلام الصادق والازدهار للوطن والرخاء للمواطن. نصف قرن غيرت كثيراً من الأفكار والطرق والأساليب. التوجه الاقتصادي السائد حتى نهاية القرن العشرين اختلف وتحوَّر وتدوَّر ليعود "لاقتصاد جديد" كما ابتدأه آدم سميث في القرن الثامن عشر وجدده ميلتون فريدمان منذ نصف قرن وتوفي منذ أسبوعين. الولايات المتحدة روجت للاقتصاد الجديد سياسياً في مطلع القرن الحادي والعشرين ودخلت في دوامة أفغانستان و(شرذمة ) العراق. المعطلات أمام غيرنا كبيرة، وفائدتنا أن نعيش واقع الحياة الاجتماعية الاقتصادية بالخصوصية التي تزيد من توافر المزاحمة النسبية لا الخلف والتخلف.
الاقتصاديون السعوديون من مسؤولين وأكاديميين ومتسببين، ليسوا شرقيين ولا غربيين في أفكارهم الاقتصادية وأعمالهم الاجتماعية مخرجات أعمالهم التنموية من كل فكر (توليفات) تتناسب مع فهم لخصوصياتنا والظروف والملابسات التي يمرون بها دون مقارنة بين التكلفة والمتحصلات وتحقيق التقارب بين المدن والقرى والمناطق, والتوافق والتناسق بين الاحتياجات من الماء والكهرباء والطرق والتعليم والأبحاث لاعتبارها أساسيات لمظاهر الحياة وضروريتها. الجميع ينتقد ويمتدح، ويتحمل المسؤوليات بعيداً عن حقيقة توافر الخبرات والمهارات. الخطط والتوجهات والتقارير المعلنة متضاربة النتائج ومختلفة الحقائق والتصورات. توفر هبة الدخل المتصاعد يطغي على كثير من التعرية التي عليها الاقتصاد الوطني: الصيحات المزعجة لا تلاقي محاولة للمراجعة وتزيد من الصراع الفكري بين الأفراد. نعمة المولى عزَّ وجل توافر الكثير من الرعاية الحانية التي تمثل غطاء فريداً لنتائج ومخرجات اجتماعية اقتصادية أفضل.
الأفضل هدفنا الواضح لتشغيل الاقتصاد الوطني ولنمائه وانشغال رجاله ونسائه في أعمال منتجه سليمة لتحسين أحوالهم المعيشية. التحقق من الهدف يتطلب معرفة توافر الوسائل العلمية للواقع والمقارن بخبرات متخصصة في المجالات المختلفة لمقتدرين أجانب وسعوديين وكفاءات عملية عالية لوضع بدائل لما نحن عليه من الأهداف والخطط من منطلق الواقع الذي نحن عليه، والنواقص والمحاسن الإنسانية والقدرات الطبيعية والمقارنة بين الحقيقة والخيال لبلورة برنامج عمل تنفيذي، على فترة زمن ربما يتناسب مع (خطة العمل) التي نشرت محلياً الأسبوع الماضي، موفرة المتطلبات التشييدية التحتية والفوقية التي تعالج المشاكل المجتمعية القائمة والصراع السائد وتبني الاقتصاد الوطني على تعددية الدخول الوطنية وتشغيل المواطنين وانتشار الازدهار وتوقيف عشوائية القرارات الاقتصادية، وتوافر الأجهزة الرسمية المدربة لتبني محاور اقتصادية اجتماعية مختلفة، "وفرز" الدوائر الحكومية الخدمية من الحاكمة، وترى بعين رأسها أن اقتصادنا اقتصادان وكل منهما في أودية تجري في مسارات التقاؤها غير واضح. الأمن والاستقرار الذي عليه البلاد يحفظه بعون الله التوجه الاقتصادي الواضح. عدالة التنمية المتوازية للبلاد توفر مستويات معيشية راقية يدعمها برنامج توعوي جيد وتدريب متكامل يوفر تفاهماً أحسن للمواطن من موقع المسؤولية والحياة المعيشية، والله أعلم.