السلاح النووي بين واقع المخاوف والتحديات في الشرق الأوسط
تعد التغيرات السياسية التي يشهدها العالم في السنوات الأخيرة دليلا كافيا على فشل مبدأ القوة الذي تبنته وما زالت تتبناه السياسة الأمريكية تجاه العديد من الدول. ولعل نتيجة الحرب الأخيرة على لبنان مثلت ولو مشهدا من المشاهد الواقعية التي أفرزتها تلك السياسة التي تؤمن بأن لا طريق للنصر سوى القوة, وكانت المفاجأة في أن النتائج المحققة أقل بكثير من النتائج المتوقعة, وما أن خمدت تلك القوة العسكرية حتى استخدمت القوة المعنوية عندما بادرت رايس بفكرة تبني الشرق الأوسط الجديد ورقة ضغط أخرى على المنطقة وليس لبنان وحدها, هي تعاني تبني القوة ضدها, بل إن العراق وبكل ما يدور فيه من مجازر يرصد النموذج الأمثل لعجز السياسة الأمريكية عن السيطرة على الأوضاع داخل العراق لدرجة دفعت بعض المسؤولين في البيت الأبيض إلى التخلي عن مناصبهم احتجاجا على تلك السياسة. لقد تلاشت نشوة النصر الأمريكي المزعومة وها هي الأحداث تتسابق إلى نهاية فيتنامية على الطريقة العراقية. لقد سجلت المعادلة غير المحسوبة في العراق نتائج سلبية فاقت كل التوقعات, ولعل أخطرها ما يحدث على الساحة الداخلية من الصراعات الطائفية التي جعلت الشعب العراقي يدفع أولا وأخيرا ثمن أخطاء لا يد له فيها.
إن واقع انعدام اللغة الدبلوماسية التي اعتادت أن تتحدث بها الولايات المتحدة مع دول العالم في السابق بدل كثيرا من المفاهيم التي كانت تتبناها كالديمقراطية والحرية والموضوعية, إلى واقع جديد يبنى على مفهوم (البقاء للأقوى) ويصوغه بمحدودية لا تخرج عن كلمتين إما المعية أو الضدية، ما جعل بعض الدول تمر باختناقات دفعتها إلى تحويل استراتيجياتها السياسية من التطوير والتنمية إلى تكريس أكبر قدر ممكن من الميزانية للعمل على تخفيف تلك الاختناقات من خلال التفكير في بناء خطوط دفاعية من شأنها أن تحمي مصالحها وثوابتها.
ولم تكن قوة الحروب هي الوحيدة التي أضعفت الواقع العربي على وجه التحديد أو خلقت التحديات في مختلف مناطق العالم, ولكن كثيرا من الأوراق المطروحة التي تحبط من منطلق القوة الأمريكية والمجتمع الدولي عموما إنما تترك أيضا آثارها الخطيرة ومن أبسطها فشل الدول العربية في أيلول (سبتمبر) 2006 في إقرار مشروع تقدمت به 15 دولة عربية ودعمته إيران حول قدرات إسرائيل النووية والتهديد الذي تشكله بسبب معارضة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة مطالبة إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية من أجل تحقيق السلام في المنطقة, لذا فإن كل تلك التجاوزات التي تنطلق تحت مظلة سياسة القوة وإلغاء لغة الحوار تعد من أهم الأسباب التي ربما تجعل من انتشار الأسلحة النووية أمرا فرضته معطيات تلك القوى المجابهة.
إن ما طرح في توصية الجامعة العربية الأخيرة بدعوة أعضائها إلى التحرك من أجل تملك الدول العربية الطاقة النووية السلمية إنما يترجم هاجسا طالما تفكر فيه الدول العربية وسط تلك التحديات, ومقابل تلك المخاطر التي تحفها من كل جانب, وربما ما أعلنته مصر على هامش القمة الثنائية المصرية ـ الروسية عن توجهها إلى بناء أربع محطات نووية بهدف الاستفادة من الطاقة النووية السلمية, أمر يشير إلى التوجه السياسي لأهمية امتلاك مقومات القوة ليس لمصر وحدها ولكن لكثير من دول العالم.
والآن وبعد أن أدى امتلاك طهران التقنية اللازمة لإنتاج طاقة نووية إلى انتقال إيران من شريحة الدول الإقليمية متوسطة القوة إلى ما يمكن أن يسمى الدول الإقليمية فائقة القوة, أجد سؤالا مهما تفرضه المتغيرات المتداخلة على الساحة السياسية هو: ما هي وجهة النظر الخليجية تحديدا تجاه هذا الوضع الجديد في المنطقة؟