قصة مكتشفة الكود الوراثي روزاليند فرانكلين
من يتأمل التاريخ العلمي تطالعه كوميديا، يضحك فيها الإنسان، ولكنه يبكي حينما يعرف أسرار الإنجازات العلمية ويطلع على خبايا المعلومات، مثل الحرامي (أديسون) الذي سرق جهد (تيسلا) الصربي في اكتشاف التيار المناوب وترصيع اسمه عليه.
والناس تقرأ ما سجل وحفظ، والله يعلم السر وأخفى.
فما يا ترى أخفى من السر؟
السر هو الذي يكشف عنه بعد حين، وما أخفى ما لا يكشف إلا يوم يقوم الناس لرب العالمين، وتزحف الأسرار مع موت أصحابها فتطويها صفحة القبر.
ومما كشف من هذا الأسرار قصة نساء أسهمن في أعظم إنجازات الثورة العلمية الحديثة، ولكنهن كنّ (مرفوضات وغير معترف بهن!!) فقط بسبب كونهن نساء!!
ومنها قصص ثلاث نسوة عبقريات، كان لهن الدور الكبير في إحداث اختراقات نوعية في العلم الحديث هن: روزاليند فرانكلين ROSALIND FRANKLIN التي تعد أول مَن كشف النقاب عن تركيب الشيفرة الوراثية، ودوروثي كروفوت هودجكن DOROTHY CROWFOOT HODGKI التي طورت تقنية التركيب الذري للبنسلين والأنسولين، وباربارا مك كلينتوك BARARA McCLINtock التي طرحت فكرة ثورية عن (طفرة) الجينات وتغير صفات الكائن مع الزمن.
أما قصة روزاليند فرانكلين فأشد القصص حزنا وبؤسا؛ وتروي الخيانة في العمل وسرقة الجهود، وتبدأ مع بداية اكتشاف روزاليند طريقة عبقرية في معرفة تركيب (الكود الوراثي) عند الإنسان، من خلال دراستها بالأشعة السينية، وكان عملا إبداعيا مذهلا صورته على غاية الجمال، وكافأها صديقها في العمل موريس ويلكينز MAURICE WILKINS بخيانتها، لأنها كانت عالمة معتدة بنفسها أكثر من اللازم؟ فتطوع بنقل عصارة جهدها سراً لرجلين منافسين هما الثنائي جيمس واطسون GAMES WATSON& فرانسيس كريك FRANCIS CRICK اللذين حصدا ثمرة عملها، بقطف جائزة نوبل للكيمياء الحيوية عام 1962 م، وتسجيل اسمهما في التاريخ، أنهما كانا أول من سبق في إماطة اللثام، عن تركيب الخريطة السرية للخلق (الحمض النووي) في نواة الخلية عام 1953م، ولكن القليل من يعلم عن خلفية الأحداث، وفي الوقت الذي كان الثنائي كريك ـ واطسون يضعان في جيبهما مليون دولار، كانت روزاليند فرانكلين قد ماتت بسرطان الثدي عن عمر 37 سنة؟!
لم يكتف جيمس واتسون بالاستفادة من عمل السرقة، بل لاحقها إلى القبر، في كلمات عجيبة تخترق أهم خصوصية لها كأنثى فقال: "مع أنها كانت فاتنة إلا أنها لم تكن لتعنى بنفسها كامرأة قط، لا في ملابسها ولا حتى في أحمر الشفاه!".
ولكنه اعترف في آخر كتابه بأن معلومات الكشف الخطير تسربت له من يهوذا الخائن.
وأما دوروثي هودجكن التي درَّست في أوكسفورد وكانت من تلامذتها أول رئيسة وزراء هي مارغريت ثاتشر، فكان لها دور في اكتشاف البناء الذري للمواد الكيماوية الحيوية، التي سمتها (البلورات الأنيقة الجميلة)، مما قاد إلى الإمساك بسر تصنيعها لاحقاً، كما في الأنسولين الذي قامت بدراسته لمدة 35 سنة، أو فيتامين (ب12) الذي اشتغلت عليه لمدة سبع سنوات، ونقصه يقود إلى فاقة الدم الخبيثة القاتلة.
ولم يمنعها الروماتيزم الخبيث الذي شوّه يديها من متابعة عملها، فوصلت إلى معرفة تركيب الكوليسترول، وهو قاعدة الهورمونات الجنسية، وكذلك الفيتامين د المسؤول عن كساح العظام عند الأطفال.
وفي النهاية تم الاعتراف بها، فمنحت جائزة نوبل للكيمياء عام 1964، وكانت المرأة الثالثة في تاريخ الجائزة.
ووصلت في خاتمة حياتها إلى رئاسة (اتحاد العلماء) عام 1975 م، وأمضت بقية حياتها تكافح ضد التسلح النووي لتودع العالم عام 1994 م.