الأخطار في علاوة الإصدار (1 من 2)
كثر الجدل في الآونة الأخيرة حول عدالة علاوة الإصدار، حيث سبق أن نشرت منذ ثلاث سنوات مقالاً حول هذا الموضوع حددت فيه الأخطار في المبالغة في تقييم علاوة الإصدار، ولما لهذا الموضوع من أهمية على الاقتصاد الوطني ككل، فإنني أعيد طرح الموضوع نفسه لأن ما سبق أن حذرت منه ما زال قائماً.
فلقد شهدت بيئة الأعمال في الوطن العربي اجتياح الموجة العالمية لتحويل المنشآت التجارية العائلية من ملكية خاصة إلى ملكية عامة عن طريق تحويلها إلى شركات مساهمة وطرح جزء منها، أو كلها، لاكتتاب العامة، وهو ما يعرف بالطرح العام الأولي IPO. ويعتبر هذا التوجه صحياً من الناحية الاقتصادية، وذلك لمنافعه المتعددة والتي منها توسيع قاعدة الاستثمار وتنمية المدخرات في المجتمع وكذلك فصل الملكية عن الإدارة وما يترتب عليه من احتراف ومهنية وزيادة في الكفاءة والفعالية، إضافة إلى مساهمتها في إيجاد فرص وظيفية محترفة. ونتيجة لتلك المنافع، فقد شجع الكثير من الدول المنشآت العائلية إلى التحول على منشآت ذات ملكية عامة وقامت في الوقت نفسه بوضع أسس رقابية لتنفيذ هذا التحول بكل سهولة وحرفية.
ومن المعروف أن عملية تحويل المنشآت العائلية إلى منشآت ذات ملكية عامة يشترك فيها أربعة أطراف على الأقل، هم المالك الأصلي ومستشاروه، الجهة الرقابية وهي الدولة، متعهد التغطية والمستثمر. فبالنسبة للمالك الأصلي، فإن التخلي عن ملكية المنشأة أو جزء منها للعامة يتأثر بمسائل عاطفية، فكما هو معروف فإن قيمة المنشأة بالنسبة للمالك الأصلي هي كالجمال، فهو عال في نظر صاحبه. لذا فإن من الطبيعي أن يتوقع المالك الأصلي للمنشأة قيمة عالية مقابل التخلي عن الملكية أو جزء منها. وتقع مسؤولية معنوية ومهنية على مستشاري المالك الماليين وغير الماليين في الفصل بين عاطفة المالك والقيمة العادلة لملكيته، لأن المستشارين يتحملون مسؤولية مهنية حاضراً ومستقبلاً في تحديد علاوة الإصدار. فالمبالغة فيها قد تؤدي إلى مساءلتهم قانونياً في المستقبل، ولقد حدث هذا في عدة أسواق عالمية مما أدى إلى إفلاس كثير من بيوت الاستشارات المالية ومكاتب المحاسبة العالمية. هذا من الناحية المالية، أما من الناحية المعنوية والسمعة، فستؤدي المغالاة في علاوة الإصدار إلى فقد ثقة المستثمر والدولة في الأوراق المالية التي تطرح باشتراك هؤلاء المستشارين، ومن ثم ضعف الإقبال على شراء تلك الأوراق المالية، وما يترتب عليه من تحاشي الشركات الراغبة في طرح أوراقها المالية التعامل مع هؤلاء المستشارين. أما بالنسبة للمستثمر، ففي المنطقة العربية يغلب على المستثمرين من المكتتبين في أسهم الشركات ضعف الوعي المالي وعدم القدرة إلى الوصول إلى قيم عادلة للملكية التي سوف يقومون بشرائها. ونتيجة لذلك، فقد توسع دور الجهات الرقابية من مجرد التوثيق لعملية تحول الملكية والاكتتاب إلى التركيز على حماية المستثمر الجديد. ويتم ذلك عن طريق التأكد من اللجوء إلى المهنيين المتخصصين الذين يقومون بتقييم المنشآت قبل طرحها للبيع باستخدام طرق تقييم متعارف عليه عالمياً مثل طريقة التدفقات النقدية المخصومة DCF وطريقة مضاعف القيمة الدفترية BVM وطريقة رسملة السعر على الربحية PER، وغيرها من الطرق. وينتج عن هذه الطرق عادة سعر السهم العادل المكون من جزءين، اسمي وعلاوة إصدار. وسنواصل الحديث الأسبوع المقبل، والله أعلم.
أستاذ المحاسبة والمراجعة بجامعة الملك سعود