سلبيات سوق الأسهم .. هل ندرس أبعادها ومسبباتها؟
قد يلاحظ المتابع الدقيق أن سوق الأسهم السعودية أصبحت تعاني شح السيولة وتردي الحالة النفسية وانعدام الثقة بين المتعاملين. ويرجع ذلك إلى أسباب عدة منها: سيطرة قلة من كبار المضاربين وصناع الأسهم الذين يمكن وصفهم بأصحاب الأجندة والأهداف الخاصة، تجردوا من أي خلق حميد وتفردوا بامتلاك وتمرير المعلومة الداخلية المؤثرة في السوق بشكل مطلق والمتاجرة بها. أما السبب الثاني فيتمثل في الصمت المطبق من قبل هيئة السوق المالية والجهات الرقابية ذات العلاقة وكأن الجميع اتفقوا على ترك السوق والمتعاملين فيها كل يلقى مصيره المحتوم والشاطر والأقوى هو من ينتصر ويبتسم أخيرا. وأنا هنا لا أقصد القوة العضلية بل القوة والثقل المادي. مما أدى إلى إحداث مزيد من الضبابية وانعدام الرؤية حول مستقبل السوق والمسار الطبيعي الذي يمكن أن يسلكه المؤشر العام للسوق. ولذا فإنه بالرغم من إيماننا التام بضرورة ترك السوق لعوامل وقوى وآليات الطلب والعرض الطبيعية وعدم التدخل المباشر في السوق من قبل هيئة السوق المالية أو من الجهات الرقابية ذات العلاقة، إلا إننا في الوقت نفسه نطالب هيئة السوق المالية بمزيد من الرقابة والشفافية والكشف عن حقيقة ما يجري داخل السوق ومعرفة كيفية انتقال السيولة المنظمة بين المحافظ، وكم عدد صفقات البيع والشراء على أسهم الشركة الواحدة. وذلك لأننا نعلم يقينا أن سوقنا لم تبلغ بعد أقل درجات النضج الفني والهيكلي والقانوني لكي يمكن ترك السوق بلا تدخل رقابي دقيق وصارم.
استعادة الثقة
الواقع أنني أرى أنه لإعادة الثقة للسوق وانتشالها من كبوتها فإنه يجب على القائمين على هيئة السوق المالية فرض مزيد من الرقابة وتفعيل الأنظمة بشكل حازم وفعال على جميع الأصعدة وبخاصة داخل أنظمة التداول ومراقبة التحويلات الوهمية بين المحافظ وإيقاف التسريبات المعلوماتية حول دخول وخروج المحافظ المتضخمة في أسهم شركات معينة والتي يستطيع بعض ضعاف النفوس اختلاسها أو اقتباسها من الأنظمة السرية للتداول، ومن ثم الاستفادة منها من خلال تتبع أثر المضاربين الكبار أو بيع تلك المعلومات الداخلية لمنتفعين آخرين. بقي أن أؤكد أنه ليس لدي دليل مادي لإثبات تلك التسريبات وإلا لقدمتها للعدالة بنفسي. ولكنني تلقيت العديد من الاتصالات التي تؤكد وجود تلك الظاهرة ولذا فإنني هنا أردت فقط أن ألفت نظر هيئة السوق المالية لظاهرة التسريبات، أما أمر إثباتها فيبقى في يد هيئة السوق المالية. وكذلك منع ما يعرف بالأوامر الوهمية المضللة التي يتم إظهارها في نظام الأوامر إلا أنه يتم سحبها بشكل احترافي ومكشوف قبيل التداول مباشرة. كذلك نطالب الهيئة الموقرة بضرورة إيقاف وعدم السماح لما يعرف بالطلبات والعروض المخفية التي يمكن تفعيلها فقط من خلال التعامل مع بنكين فقط لما فيها من الغش والتدليس وعدم العدالة للمتعاملين من جهة وللبنوك الأخرى من جهة ثانية. كما أنني في الوقت نفسه أرى أنه من أجل تحفيز السوق فإنه يجب كذلك على الصناديق الحكومية وشبه الحكومية ضخ مزيد من السيولة في السوق وذلك من خلال الدخول الانتقائي في أسهم الشركات القيادية وذات التأثير القوي في المؤشر، وذلك ليس فقط من أجل تقوية المراكز الاستثمارية لتلك الصناديق فحسب بل من أجل إرسال إشارات تطمينية لبقية المتعاملين مفادها أن وضع السوق أصبح مطمئنا وأن أسعار أسهم الشركات القيادية أصبحت مغرية استثماريا.
العيوب الهيكلية
ولذا فإنه يمكن القول إنه طالما بقيت تلك العيوب الهيكلية في أنظمة التداول وعدم إيقاف الممارسات الخاطئة من خلال تفعيل الإجراءات العقابية، وطالما اتخذت الصناديق الحكومية وشبه الحكومية موقف المتفرج ولم تتدخل في ضخ مزيد من السيولة في السوق، فإننا حتما نكون قد ساهمنا بإيجاد مزيد من السحب الضبابية على السوق، وبالتالي إيجاد بيئة غير ملائمة وغير عادلة لتشجع المتعاملين على التعاطي مع السوق. كما أنه يجب التنبيه إلى أن عدم المسارعة في إيجاد حلول وإصلاحات جذرية لعيوب وتشوهات البنية الهيكلية والرقابية سوف يؤدي حتما إلى فقدان سوق الأسهم السعودية بريقها وجاذبيتها، ليس فقط من قبل المتعاملين مع السوق من الداخل بل من قبل المستثمرين الاستراتيجيين الخليجيين والدوليين سواء كان ذلك استثمارا مباشرا أو عن طريق صناديق ومحافظ استثمارية. كما أن عدم وجود مصادر مستقلة وذات صلة بالسوق تعمل على توفير المعلومات ذات الأهمية النسبية على القرار الاستثماري لجميع الأطراف ذات الصلة بالسوق المالية وبطريقة عادلة وملائمة، سوف يؤثر سلبا في نمو السوق المالية وجاذبيتها ووضع الاقتصاد ككل. وسوف نلحظ جميعا تداعيات تلك السلبيات مع مرور الأيام من خلال التأثير السلبي على دخول سيولة جديدة إلى قنوات الاقتصاد المختلفة وأوعيته وكذلك التأثير السلبي على جاذبية الاستثمارات الأجنبية وتوطين الاستثمارات المحلية.
وحقيقة الأمر أنه من خلال القراءة الدقيقة لواقع السوق يمكن ملاحظة ما أشرنا إليه أعلاه، إذ إنه بالرغم من وصول أسعار أسهم شركات السوق بشكل عام وأسهم العديد من شركات العوائد وأسهم الشركات ذات المراكز المالية القوية بشكل خاص، إلى مستويات سعرية متدنية ومغرية جدا، حيث أصبحت تتداول تحت مستوياتها السعرية العادلة نتيجة الانخفاضات الكبيرة المتتالية التي حدثت خلال الأسابيع والأشهر الماضية، إلا أننا نلاحظ أن معظم المتعاملين لا يزالون يحجمون عن الدخول. كما أن خروج الكثير من رؤوس الأموال المحلية من سوق الأسهم السعودية ودخولها في العديد من المشاريع الاستثمارية البديلة لسوق الأسهم كالمشاريع العقارية ومشاريع البنية التحتية والأساسية تأكيد حقيقي على تردي الحالة النفسية وانعدام الثقة في التعاطي مع سوق الأسهم السعودية. ولكن المؤسف في الأمر أن تلك الأموال التي خرجت من سوق الأسهم السعودية لم تنفذ تلك المشاريع الضخمة داخل وطننا العزيز بل اتجهت كالطيور المهاجرة التي تبحث عن الدفء إلى دول الجوار والدول العربية التي بعضها قد يبدو أقل نموا وأقل عائدا استثماريا، ولكنها حتما أكثر تنظيما وتفعيلا للقوانين. فالعبرة إذاً ليست بعدد اللوائح وكثرة القوانين بل بجدية الرقابة وصرامة التطبيق وعدالته.