المياه .. سياسة واقتصاد

في حديث أدلى به أخيرا بان كي مون الكوري الجنوبي السكرتير العام القادم للأمم المتحدة خلفا للسكرتير العام الحالي كوفي عنان, الذي تنتهي ولايته في نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) 2006، أكد أنه سيتبع "سياسة المياه" في تعامله مع الأحداث السياسية العالمية التي تمر مستقبلا، وشرح ذلك بأنه لن يقف جامدا إزاء أي مشكلة تواجه المجتمع الدولي, بل سيحاول أن يجد طرقا أكثر مرونة، وبما تسمح بإيجاد حلول بديلة لتلك المشكلة. وهو الأسلوب نفسه الذي تتبعه مسارات المياه حين تجد أمامها عائقا لمسيرتها أو سداً يمنع حركاتها فلا تتوقف المسيرة إنما تبحث المياه عن مسار آخر لتجاوز ذلك العائق أو السد.
وهذا المفهوم السياسي يتفق تماماً مع الطبيعة الآسيوية لهذا المرشح، التي تميل إلى المهادنة وتتخذ من الحكمة والتريث أسلوباً للتعامل مع المتغيرات والمستجدات.
ويمثل هذا الرأي إضافة "علمية" لها احترامها صادرة من أحد رجال السياسة على الصعيد الدولي، فالمياه في حالتها السائلة قادرة على الحركتين الأفقية والرأسية لما تمتاز به من زيادة في قيمة توترها السطحي عن الضغط الجوي العادي، وهي تعد من أقوى المذيبات المعروفة، كما أن لها قدرة على التحول من صورة إلى أخرى وفي دورة طبيعية لها صفة الاستمرارية، ناهيك عـن ضرورة وجود المياه أساسا للحياة على هذا الكوكب ومن ثم أصبحت عنصراً فاعلاً في المعادلة السياسية والمتعاملين معها من رجال السياسة, وهو ما اصطلح عليه "تسييس المياه".

ومن نافلة القول الإشارة إلى أن التعامل مع المياه كان يتم دائماً بكونها مورداً اقتصادياً، فهي النعمة الكبرى التي وهبنا الله إياها
وهي تسخر لتحسين أرزاق العباد وتحقيق المنفعة الاقتصادية ولها العديد من الجوانب الإيجابية التي يلمسها الجميع دون استثناء.
ويكفى للدلالة على ذلك أن نذكر (بعضا) من الحقائق عن ماهية المياه وأهميتها الاقتصادية على الصعيد الدولي في الوضع الراهن:

ـ تستغل المياه المتجددة العذبة من الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية وغيرها من المصادر ومن مياه الأمطار الهاطلة مباشرة للزراعات التقليدية وغير التقليدية على مستوى العالم لري مساحة تتجاوز 1.4 مليار هكتار توفر الغذاء لنحو سبعة مليارات من البشر على سطح الأرض وتبلغ القيمة المضافة لهذا القطاع الإنتاجي الزراعي على المستوى العالمي ما يزيد على تريليون دولار سنويا.

ـ يتم توليد الطاقة الكهربائية من مساقط المياه، من الشلالات الطبيعية والصناعية وتغطي الكمية المولدة من تلك المصادر المائية نحو 25 في المائة على الأقل من إجمالي الكهرباء المولدة من جميع المصادر.

ـ ما زالت الأسماك والكائنات البحرية في المياه المالحة والعذبة مصدرا مهما للغذاء العالمي حيث توفر ما يزيد على 100 مليون طن سنويا, أي ما يعادل 16 كيلو جراما للفرد سنويا.

* توجد على الأقل نسبة 20 في المائة من المكامن الهيدروكربونية للنفط والغاز الطبيعي في المسطحات المائية السطحية والعميقة، وهذا يعني ببساطة أن المياه كبيئة قابضة – إذا ما أحسن استغلالها يمكن أن تضيف خمس القيمة المضافة أو أكثر للقطاع النفطي على المستوى العالمي.

* للمياه استخدامات مباشرة وغير مباشرة في جميع القطاعات الإنتاجية وقطاعات الخدمات التنموية بدءا من استخدامها في القطاع الصناعي، إما للتبريد وإما كأحد المدخلات الأساسية للمنتج نفسه. وفى القطاع الطبي تدخل في إنتاج المستحضرات الطبية والصيدلانية وغيرها وانتهاء باستخدام المياه وسيلة نقل رخيصة ذات ناولون يقل بدرجة ملحوظة قياسا بناولون باقي الوسائل الجوية والبرية الأخرى.
ـ إضافة إلى ما سبق، فإن المياه في المحيطات والبحار والأنهار ما زالت هي (الصندوق الأسود ) الذي يحل العديد من الألغاز بما يحتويه من أسرار عن الثروات المعدنية (المجهولة), حيث يقدر إجمالي الأملاح المركزة في تلك المسطحات بنحو 90 مليار طن على الأقل. إضافة إلى احتياطيات من المعادن الأساسية كالذهب
(خمسة مليارات طن)، النحاس (ثمانية مليارات طن) ومن المعادن النفيسة والمواد الأخرى ذات القيمة الاقتصادية العالمية من الزمرد والألماس واللؤلؤ والليثيوم واليود وغيرها.
والخلاصة أنه يبدو من الصعب في عصرنا الحديث فصل السياسة عن الاقتصاد، فالسياسة الاقتصادية والاقتصاد السياسي مترادفان حتى في حالة المياه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي