"نوبل" تفتح بوابة الإقراض لمكافحة الفقر

لو تحدثت قبل أقل من شهر من الآن عن الإقراض متناهي الصغر ودوره في مكافحة الفقر والنتائج التي حققها على مستوى العالم لما التفت إليك أحد ولعمد البعض إلى إنكار ما تقول, وهذا ما حدث معي عندما كتبت عدة مقالات عن الإقراض متناهي الصغر في جريدة "المدينة" قبل ثلاث سنوات, وذلك بعد عودتي من دورة تدريبية في بنك جرامين في دكا في بنجلادش والتقائي مؤسس البنك هناك البروفيسور محمد يونس واستماعي إلى قصة نجاحه وذلك لنقل التجربة إلى برامج عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع من خلال التعرف على آلية عمل البنك وأهدافه التي أسس من أجلها.
لقد تم البدء في تطبيق برنامج الإقراض متناهي الصغر في المملكة في منتصف عام 2004 تحت اسم برنامج عبد اللطيف جميل للأسر المنتجة وبالمنهجية نفسها التي طبقها البروفيسور محمد يونس مع مراعاة ظروفنا وتقاليدنا المحلية, والتحقت بالبرنامج في نهاية عام 2004 م أكثر من 550 سيدة وأحدث نقلة نوعية لدى كثير منهن وحقق العديد من قصص النجاح المتميزة، واليوم وبعد مرور قرابة عامين ونصف عام على إطلاق البرنامج أصبح إجمالي عدد المشتركين فيه قرابة سبعة آلاف مشترك جميعهم من السيدات ووصلت نسبة سداد هذه القروض 99 في المائة.
كثيرون الذين سمعوا عن برنامج الأسر المنتجة وبعضهم قام بزيارته وآخرون عاينوا بأنفسهم بعض قصص النجاح للمستفيدين منه، لكن ذلك الاهتمام بقي في إطار محدود على المستوى المحلي بل إن البعض قد شكك في نجاح هذا البرنامج وانتقد أن يتم إقراض هؤلاء السيدات اللاتي هن تحت خط الفقر مبالغ محدودة يبدأن بها مشاريعهن المنزلية مؤكدين أنها لن تفيدهن شيئاً ولن تسهم في تحسين أوضاعهن المعيشية.
واليوم وبعد فوز بنك جرامين (الفقراء) ومؤسسه بجائزة نوبل للسلام لمس الجميع أهمية الإقراض متناهي الصغر ونشرت عشرات المقالات المحلية التي يطالب أصحابها بإنشاء وتأسيس بنك محلي يشابه بنك جرامين للإسهام في مكافحة الفقر, بل أكد الكثيرون أن الفقراء لا يحتاجون فقط إلى الصدقات أو الزكوات بل يحتاجون أيضا إلى ما يسهم في جعلهم معتمدين على أنفسهم من خلال تدريبهم على حرفة معينة أو دعمهم للبدء في مشروع صغير فهذا سيساعدهم مستقبلاً على الخروج من دائرة الفقر ليصبحوا عناصر منتجة في المجتمع, وسيسهم في إعادة الثقة إلى أنفسهم وإخراجهم إلى المجتمع فخورين بكونهم أعضاء فاعلين ومنتجين في مجتمعهم.
إن فوز بنك جرامين ومؤسسه بجائزة نوبل للسلام هو فوز للإقراض متناهي الصغر ونجاح كبير لبرامج الإقراض الأصغر حول العالم وتعزيز لمصداقيتها التي يجب أن تنطلق من خلال معايير أساسية مختلفة عن كل المعايير البنكية التقليدية وأن تعمل من خلال رؤية بنكية مستقلة يشرف عليها أصحاب الأموال من المودعين الذين هم المستفيدون في الأساس من برامج الإقراض متناهي الصغر.
لقد أسهمت جائزة نوبل للسلام لهذا العام في تعريف العالم بصفة عامة والاقتصاديين المحليين بصفة خاصة بشكل أكبر ببرامج الإقراض متناهي الصغر, وهذا الأمر في حد ذاته يشكل دعوة وحافزاً للبنوك التجارية المحلية لتمارس هذا النشاط, إذ تتوافر لديها الأسس التي يمكن أن تنطلق من خلالها وكل ما تحتاج إليه فقط هو البدء في خوض التجربة، متخذة من بعض البنوك العربية التي سبقتها مثالاً كبنك القاهرة المصري, الذي يعد ثالث أكبر البنوك التجارية في مصر، حيث بدأ في الإقراض متناهي الصغر منذ عام 2001 ويبلغ عدد عملائه في هذا المجال اليوم أكثر من 80 ألف عميل قائم.
إن هذه التجربة التي أثبتت نجاحها عالمياً تستحق منا أن نوفر لها المال والوقت والجهد ولكن برؤية اقتصادية غير تقليدية وبحس وطني تطبيقي بعيداً عن الدراسات والأبحاث وقائم على التجربة والممارسة الميدانية التي تهدف إلى خدمة المجتمع ومكافحة الفقر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي