معنى العيد .. ولماذا يفرح الناس به؟

معنى العيد .. ولماذا يفرح الناس به؟

<a href="mailto:[email protected]">kjalabi@hotmail.com</a>

بعد الصيام يأتي العيد رمزا للفرح، ومع التضحية يأتي الانعتاق مجددا من الخطايا، فيصبح اليوم عيدا، وحين نزلت الآية "اليوم أكملت لكم دينكم" قال اليهود للمسلمين لو نزلت علينا لجعلنا هذا اليوم عيدا، فالعيد تحرر وانطلاق وسعادة وقمة النشوة والحبور في العلاقات الإنسانية، فتصبح الأرض غير الأرض، وتشرق الحياة بنور ربها.
ولعل أفضل من يحس بمتعة العيد هم الأطفال، وكنا نحاول الصيام، ويشجعنا الأهل فنصوم بقسم من النهار ونحن أطفال، وأحيانا نتمه بفخر. وما زلت أتذكر بهجة العيد قبل أن يأتي، واستعدادنا له بالأحذية الجديدة، والحلاقة، وتفصيل الملابس وتهيئة البيت زينة ونظافة، وأثناءه بتناول الحلويات، وكذلك أذكر حزننا لانقضائه.
كانت الحلويات في رمضان شهية. وكانت والدتي تهيئ لنا طعاماً خاصاً بيوم العيد، كان صدر خروف محشيا بالرز، وكانت أول زيارة لي إلى بيت جدي من أجل تحصيل العيدية!
كانت حصة كل واحد منا نحن الإخوة الثلاثة ليرة فضية كبيرة، وكانت تفعل الشيء الكثير تلك الأيام. وكانت الباصات تقلنا إلى نزهة قصيرة، بدراهم قليلة، من أجزاء الليرة الفضية.
كنا نأخذ الصور غير الملونة تذكارا للعيد، ولم تكن الملونة معروفة بعد، أما تناول الثلج المجروش مع إضافة الشراب الحلو عليه فكان بقروش قليلة. أما ركب (الحنطور) وهي العربة السوداء التي تجرها الخيل؛ فكانت فخمة وركبتها ربع ليرة، وكنا نركب ذكورا وإناثا سوية بدون حرج.
المهم كنا نقضي وقتا ماتعا بين تصيد العيديات من الأهل، وعمنا كان يتحفنا بعشر ليرات لمجموع الأولاد المحتشدين، وكان تقليدا لطيفا ماتعا، يتبعه الانطلاق إلى ساحة اللعب، حيث الجو كله يشع زينة ومرحا، نسمع فيه صوت الفرقعات، والكل يلبس الجديد، ويأكل اللذيذ.
وكنا نستمتع أخيرا بأن الوالد معنا في البيت، وكان يحز في نفوسنا أن يرجع للعمل قبل أن ينتهي العيد.
كنا نريده معنا محتفلاً مثلنا ـ رحمه الله ـ في كل أيام العيد، وهو كان حريصاً على فتح محله قبل أن ينتهي العيد.
لماذا نتذكر الطفولة بمتعة؟
عندما عدت إلى مدينتي بعد غياب 17 سنة، ذهبت أتحرى أماكن الطفولة قبل كل شيء.
كان كل شيء قد تبدل وتحول إلى أبنية أسمنتية قوية، ولكن ليس بالجمال نفسه؟
هل حقا كانت البيوت القديمة أجمل؟ وهي المبنية بالتراب؟
كانت السماء أيامنا أشد زرقة، والهواء أنعم وألطف.
كان الطعام أكثر متعة ولذة.
كانت البقلاوة التي يحضرها الوالد من حلب شهية إلى درجة لا تصدق. وعندما اقتربت من الحارة التي كان فيها جدي، لم تصدق عيناي، فبدأت أتذكر الشوارع؟
كانت أعرض وأفسح. هذه المرة بدت لي قذرة وضيقة.
وكانت لحظة الحزن حينما وصلت إلى البناء؛ فلم يبق من البيت شيء.
لقد تبدل كل شيء تماما.
أغمضت عيني وبدأت أتخيل الأماكن والبيوت والعائلات التي كانت تستأجر في بيت جدي القديم. وأعدها بيتاً بيتاً.
وعندما فتحت عيني رأيت عالماً آخر.
لقد انهدم كل العالم القديم.
دمعت عيني. إن الطفولة جميلة وعذبة، وأحياناً يستولي على شعور مستغرق فيمر شريط كامل من الذكريات، لا أستيقظ منه سوى أن أفتح عيني، ورؤية الواقع الذي يصدمني، والذي ليس في بهجة أيام العيد القديم.
وأرجع فأقول كما رصعت بها مقدمة كتابي في النقد الذاتي: السعادة فيض داخلي يتحقق. وأعظم النقد نقد الذات لأنها لحظة مواجهة الحقيقة..

الأكثر قراءة