التجديد في مصارف الزكاة واستثمارها

<a href="mailto:[email protected]">yafarraj@hotmail.com</a>

حدد القرآن الكريم أصناف من تدفع لهم الزكاة بثمانية أصناف كما في قوله تعالى " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم", وهذه الآية من النصوص التي حصل في تفسيرها وفي مدى دلالتها للحصر جدل بين الفقهاء, وهل يجوز دفع الزكاة في غير هذه الأصناف الثمانية, أي في كل أعمال البر أم لا؟ فجمع من الفقهاء اخذ بنصية الآية وحصر مصارف الزكاة بمن ذكر، مستندا إلى دلالة التعديد في الآية, أي أنه لا فائدة من تعداد هذه الأصناف إذا أجزنا أن تدفع الزكاة في جميع مجالات البر, ولهذا فلابد من حصرها بالأصناف الثمانية فقط, وأجاز بعض الفقهاء ومنهم جمع من المعاصرين أن تدفع الزكاة في جميع مجالات البر والخير وما فيه نفع لصالح الأمة جمعاء, وقد استدلوا بالآية أيضا إلا أنهم فيما يتعلق بمصرف "وفي سبيل الله" لم يحصروه على المجاهدين فقط كما هو قول الجمهور, بل وسعوا معناه ليشمل كل ما يصدق عليه أنه في سبيل الله ويشمل ذلك: الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء، كما يشمل الدعوة إلى الإسلام والعمل على تحكيم شريعته ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه وصد التيارات المعادية له‏, ‏وبهذا لا يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده‏, وإنما يشمل إضافة إلى ما سبق: بناء المساجد والمراكز الإسلامية وتزويج المحتاجين وحفر الطرق والآبار وغيرها من أعمال البر والخير والتيسير على أفراد الأمة, أو كان فيه الرفع من شأنها, ويستند أصحاب هذا القول إلى المعنى العام لمفهوم "وفي سبيل الله" وليس هناك ما يمنع هذا المفهوم، أما تفسير الجمهور ذلك بالجهاد فعلى اعتبار أنه كان هو المتبادر إلى أذهانهم في ذلك الوقت لحاجة الدولة الإسلامية وحضور مسائل الجهاد العسكرية في التراث الفقهي, وفي هذا الوقت جدت احتياجات كثيرة ومختلفة للدولة الإسلامية وتيسرت سبل الدعوة بأكثر مما هو متوافر في العصور السابقة، فالمقصد الشرعي يحتم أن تدرج مصارف الدعوة والتوجيه والعمل على تحكيم الشريعة ودفع الشبهات عنها ونشر الكتب الإسلامية الداعية إلى الخير والإصلاح في قوله تعالى :" وفي سبيل الله" .
ومن المسائل المرتبطة بمفهوم هذه الآية ما يتعلق بالخلاف في مدى جواز استثمار الزكاة, أو ضرورة تمليكها لأصحابها, فالجمهور على أن الواجب هو تمليك الزكاة لأصحابها وبالذات الأصناف الأربعة على اعتبار أن الآية عبرت بـ " للفقراء ... " واللام للتمليك, فلابد من تمليك الأصناف الأربعة في أول الآية للزكاة, أما الأصناف الأربعة في آخر الآية فعبرت الآية بـ " وفي الرقاب.."، وحرف " في "لا يعني التمليك وبهذا فيجوز أن تصرف لهم ولو لم تسلم بأيديهم, وذهب بعض الفقهاء إلى جواز استثمار الزكاة أو جزء منها حسب الحاجة فيما من شأنه أن يعود بالنفع على مصارف الزكاة, ولم يلتفتوا كثيرا إلى الدلالات الحرفية التي أشار إليها من منع الاستثمار, على اعتبار أن المقصد هو أخذ الزكاة من مصدرها وقد تحقق, وصرفها في مصرفها وقد تحقق, أما آلية تسليم الزكاة فهو قابل للاجتهاد, والواجب العمل قدر المستطاع على تحقيق المقصد الشرعي, ولا شك أن استثمار جزء من الزكاة عن طريق شركات تجارية متخصصة ذات كفاءة عالية في الإدارة, وفي أوعية استثمارية متدنية المخاطر يعود بالنفع المستمر على أصناف الزكاة وهذا من المقاصد الشرعية للزكاة، ... "... والله عليم حكيم".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي