الشجاعة.. الخلق الوسط بين التهور والجبن
الشجاعة.. الخلق الوسط بين التهور والجبن
كما يتذكر القراء الأعزاء المواصلون قراءتهم لهذه الحلقات ، أننا قد تحدثنا عن (الحلم) وتعريفه وبعض ما ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية وما ذكره السلف عن (الحلم) وأشرت إلى أن هذه الحلقات أخذت حلة قشيبة وركزت على الإيجاز دون الإضرار بالفائدة والآن نتحدث عن مكرمة (الشجاعة).
تعريف الشجاعة
جاء في لسان العرب أن الشجاعة تدل على الجرأة والإقدام وقال ابن فارس في المصدر المذكور : الرجل الشجاع هو المقدام والشّجِعَة من النساء : الجريئة والشجاع الذي يشتد عند البأس ، ويمكن القول عن المرأة في الشجاعة : شجاعة وشجعة وشجعاء, وقيل أيضا لا توصف به المرأة ، وفي موسوعة (نضرة النعيم) جاء أن تعريف الشجاعة ما قاله الجاحظ : الشجاعة هي الإقدام على المكاره والمهالك عند الحاجة إلى ذلك وثبات الجأش عند المخاوف مع الاستهانة بالموت ، وأوجز تعريف أعجبني هذا القول : الشجاعة : هي الصبر والثبات والإقدام على الأمور النافع تحصيلها أو دفعها وتكون في الأفعال والأقوال ، وهذا القول للشيخ : عبد الرحمن بن ناصر السعدي يرحمه الله.
منبع الشجاعة
والواقع أن الشجاعة التي تؤدي إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل سواء في الأفعال أو الأقوال لا تأتي إلا من نفس طيبة لأن المكارم لا تكتسب إلا بالشجاعة، وأن ضعيف النفس والجبان يفر عن أمه وأبيه والشجاع قوي القلب كريم النفس لا يهاب الشدائد ، وقد قال الأبشيهي يرحمه الله إن الشجاعة عماد الفضائل ومن فقدها لم تكمل فيه فضيلة يعبر عنها بالصبر وقوة النفس.
أنواع الشجاعة
جاء في الموسوعة المذكورة أن الشجاعة خمسة أنواع: 1- سَبٌعية، كمن أقدم لثَوَران غضب وَتَطُلب غَلَبة . 2- بهيمية، كمن حارب توصلاً إلى مأكل أو منكح. 3- وتجريبية، كمن حارب مراراً مظفرا، فجعل ذلك أصلاً يبنى عليه. 4- وجهادية ، كمن يحارب ذباً عن الدين. 5- وحكمية وهي ما تكون في كل ذلك عن فكر وتمييز وهيئة محمودة بقدر ما يجب وعلى ما يجب.
بعض ما ورد في القرآن الكريم عن الشجاعة
قال تعالى :(وَلاَ تَهنواَ وَلاَ تَحَزُنواَ وَأَنَتُم اَلأَعلون إنُ كَنتُم مَؤَمنَين) آل عمران (139) وقال تعالى :(.... فَمَا وَهِنُوا لَمِا أصَابَهُم في سَبَيل الله ومَاَ ضَعُفوا وَمَا اَسَتكانُواَ واَللُه يُحبُ الَصَابَرينَ) آل عمران (146) وقال تعالى : ( يَا أُيَها اَلَذين آَمَنُوا إَذَاَ لقيِتُم فِئَة فَاثَبُتوا واذكَروا الله كَثَيَراً لعلُكم تُفَلحِونَ) وهكذا تجد أن القرآن الكريم يدعو للشجاعة ويعتبر أن الشجعان الذين يثبتون ويجاهدون الأعداء والصابرين المصابرين هم من المؤمنين.
من الأحاديث التي وردت في الشجاعة
(عن أنس رضي الله عنه أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس ولقد فَزِع أهل المدينة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهم على فرس وقال: (وجدناه بحراً) ويقصد عليه السلام أن الفرس الذي كان يركبه سريع العدو، قال أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفاً يوم أحُدِ فقال: من يأخذ مني هذا؟ فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا, قال: من يأخذه بحقه؟ قال فأحجم القوم فقال سماك بن خرشة, أبو دجانة: أنا آخذه بحقه. قال فأخذه ففلق به هام المشركين).
وهناك مواقف كثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الشجاعة والإقدام لا يتسع المجال لذكرها.
مما قاله العلماء والسلف الصالح في الشجاعة
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن الشجاعة والجبن غرائز في الرجال، تجد الرجل يقاتل لا يبالي ألا يؤوب إلى أهله، وتجد الرجل يفر عن أبيه وأمُه, وتجد الرجل يقاتل ابتغاء وجه الله فذلك الشهيد). قيل لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه إذا جالت الخيل فأين نطلبك؟ قال: حيث تركتموني). قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : كان حمزة بن عبد المطلب يقاتل يوم أحُد بين يدي رسول الله, صلى الله عليه وسلم, ويقول: (أنا أسد الله) ، ويقول العرب: الشجاع محبب حتى إلى عدوه والجبان مبغض حتى إلى أمه)، وقيل إن أشجع العرب في شعره هو عباس بن مرداس حين يقول:
أشد على الكتيبة لا أبالي احتفي كان فيها أم سِواها
فضل الشجاعة
للشجاعة فوائد كثيرة من أهمها ما يلي: دليل على حُسن الظن بالله والتوكل عليه, خُلق وسط بين التهور والجبن, تظهر في مواطن الشدة والمحنة, الرجل الشجاع درع لامته وصون لها - الشجاعة تكون في كثير من الأحيان حاسمة لبعض المواقف الشائكة ، تتفاخر الدول والشعوب بمن تميز من رجالها بالشجاعة.
ومن أروع ما يتصف به الإنسان المسلم الشجاعة في القول والعمل فيما يقصد به وجه الله تعالى ، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة نتحدث عن (العدل).
الفريق متقاعد / عبد العزيز بن محمد هنيدي
[email protected]