رؤية بن لادن للمقاطعة والنفط والحرب
<a href="mailto:[email protected]">mjadeed@hotmail.com</a>
عُرف أسامة بن لادن خلال العقدين الماضيين، وبصفة خاصة في السنوات الخمس الأخيرة، بأنه زعيم تنظيم القاعدة الذي يقود حرباً متواصلة ضد من يعتقد أنهم أعداء الإسلام والمعتدين على بلاده وأراضيه وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا السياق عرف العالم كثيراً من رؤى وأفكار بن لادن ذات الطابع الديني والسياسي والعسكري المرتبطة مباشرة بهذا الصراع الذي كرس حياته له وما أثاره من تداعيات واسعة على مستوى العالم كله. إلا أن درجة كبيرة من الغموض خيمت على الرؤى والتصورات الاقتصادية لزعيم القاعدة في سياق تلك الحرب التي نذر نفسه لخوضها، فلم تظهر واضحة بالمقارنة بالأبعاد الدينية والسياسية والعسكرية التي بدت الأكثر بروزاً ووضوحاً. ومع ذلك فالتحليل المدقق لمسار بن لادن العملي والنصوص المنسوبة إليه يوضح أن البعد الاقتصادي قد ظل حاضراً لديه بصورة واضحة وإن لم يكن بارزا على السطح بروز الأبعاد الأخرى المشار إليها. والأرجح أن اهتمام بن لادن بالاقتصاد ضمن تصوره العام للصراع الذي يخوضه يعود إلى عاملين على الأقل: الأول هو طبيعة ظروف نشأته في أسرة ثرية، لأب عمل كرجل أعمال في قطاع البناء والتشييد في المملكة العربية السعودية، عُرف عنه المثابرة والعصامية والاعتماد الشديد على النفس والاستعداد للمغامرة والمخاطرة. ويتمثل العامل الثاني في الخلفية التعليمية والمهنية لأسامة بن لادن، فقد درس الاقتصاد بالإضافة إلى عمله المبكر في مجال المقاولات بعد وفاة والده مباشرة قبل أن يتجاوز العاشرة من عمره. وقد أدت تلك العوامل إلى حضور العامل الاقتصادي بشكل أو بآخر في تفكير بن لادن بعد ذلك في السنوات التي تبنى فيها تصوره الصراعي العام مع الغرب عموماً والولايات المتحدة بشكل خاص.
وفي هذا السياق، يشار إلى أن الاهتمام الاقتصادي لبن لادن قد بدا أكثر تركيزاً في مساره العملي وخطابه النظري منذ منتصف التسعينيات بعد رحيله الثاني والأخير من المملكة العربية السعودية وإقامته في السودان قبل أن يغادره عام 1996 ويستقر نهائياً في أفغانستان. وتوضح مؤشرات أخرى أن البعد الاقتصادي في الصراع كما يتصوره بن لادن قد احتل أهمية مبكرة في الفكر الجهادي كما يطرحه بصورة خاصة ضد الولايات المتحدة. فقد دعا في الكثير من كلماته إلى توظيف الأدوات الاقتصادية في الجهاد ضد الولايات المتحدة، بدءا من وجوب مقاطعة البضائع والسلع الأمريكية وصولاً إلى وجوب ضرب القوات الأمريكية والاقتصاد الأمريكي. بل إن بن لادن أكد في إحدى مقابلاته في نهاية عام 1998 أن دعوته لفكرتي المقاطعة وضرب الاقتصاد الأمريكي تعود إلى بداية عملية الجهاد الإسلامي ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان في بداية الثمانينيات. وأكد بن لادن كثيراً أهمية مقاطعة البضائع والسلع الأمريكية ووضعها في أحيان كثيرة في منزلة فرض العين، مستنداً في ذلك ليس فقط إلى اعتبارها حذفاً من القدرات الاقتصادية، ومن ثم القدرات العسكرية الأمريكية، ولكن لأن تلك الأموال العربية والإسلامية حسب قوله: "يأخذها الأمريكان ويعطوها لليهود فيقتلون بها أخواتنا في فلسطين فهذا فرض عين".
وغير أداة المقاطعة الاقتصادية للولايات المتحدة فقد ركز بن لادن في تصوره للصراع الأشمل معها على ما يعتقد أنها المصالح الاقتصادية الرئيسية لها التي يجب توجيه ضربات كبيرة لها أو إعاقتها عن الوصول إليها وتحقيقها. وفي هذا الإطار احتل النفط حيزاً مهماً في رؤية بن لادن الاقتصادية مع الولايات المتحدة باعتباره, حسب رأيه, أهم مصلحة اقتصادية واستراتيجية لها في بلدان العالم الإسلامي. من هنا فقد أوضح بن لادن في المستويات الأخر لخطابه السياسية والعسكرية ضرورة استخدام جميع الوسائل العنيفة من أجل إبعاد الوجود الأمريكي عن مناطق النفط, حيث إن هذا الوجود يعرضها, حسب رؤيته, إلى مخاطر واسعة من جراء احتمالات اندلاع حروب ومعارك ضده في تلك المناطق. ويلاحظ عند تأمل مجمل مقولات بن لادن فيما يخص النفط أنه من ناحية يدرك بوضوح اتجاهات الطلب الخارجي على النفط العربي وتصاعد الأسواق الآسيوية والأوروبية كمصدر رئيسي للطلب المستقبلي على النفط، وهو الأمر الذي يفسر به أحياناً تصاعد أهمية النفط في السياسة الخارجية الأمريكية للإضرار الاقتصادي بدول تلك المناطق المنافسة لواشنطن على الصعيد الاقتصادي العالمي. كذلك يبدو واضحاً إدراك بن لادن العلاقة بين استقرار سوق النفط واستقرار الاقتصاد العالمي، وهو الأمر الذي انعكس عدة مرات في السلوك العملي لتنظيم القاعدة الرئيسي وفروعه المختلفة بتوجههم نحو توجيه ضربات عسكرية لبعض الحقول والمواقع النفطية من أجل التأثير سلبيا في استقرار الاقتصاد العالمي وفي قلبه بالطبع الاقتصاد الأمريكي.
وفضلاً عن المقاطعة والنفط فقد وضع بن لادن في كثير من كلماته ورسائله هدف الضرب العسكري المباشر للمصالح الاقتصادية الأمريكية في مستوى مقارب لضرب أهدافها ومصالحها العسكرية والاستراتيجية. ويبرر زعيم القاعدة هذا التصور بطريقة بسيطة ومباشرة بتحريضه تابعيه والسائرين على نهجه على أهمية "ضرب القاعدة الاقتصادية التي هي أساس القاعدة العسكرية فإذا انتهى اقتصادهم (أي الأمريكيون) شغلوا بأنفسهم عن استعباد الشعوب المستضعفة، فأقول من المهم جدا التركيز على ضرب الاقتصاد الأمريكي بكل وسيلة ممكنة". ولعل اللافت في المسار العملي لزعيم القاعدة أن البعد الاقتصادي في رؤيته قد اختلط بصورة مباشرة بالأبعاد العسكرية والدينية فيها، حيث اختزل هذا البعد في مجرد السعي لتوجيه ضربات عسكرية مباشرة لما يتصور أنهما العنصران الرئيسيان في القوة الأمريكية العسكرية، أي النفط والقاعدة الاقتصادية الأمريكية. وهكذا ونتيجة لذلك فقد بدت طاغية على رؤية بن لادن وحركته تلك الأبعاد العسكرية والسياسية والدينية لتصوره الصراعي العام، بينما تراجع البعد الاقتصادي الذي تحول – أو كاد – إلى مجرد عنصر صغير مكمل ومتضمن في تلك الأبعاد.