جرس الإنذار في رمضان
في هذا الشهر المبارك من كل عام يلاحظ الناس ما وصلت إليه مدننا من حال لا تُرضي بأسباب الفوضى المرورية التي تعيشها. في كل عام, نرى الأمل في التطور والتحسن يتلاشى أمام أعيننا بل نعيش معاناة تزداد سنة بعد سنة على طريق لا أحد يدري أين سينتهي بنا. إن من المؤسف والمحزن أنه لا توجد أي جهة - ولو واحدة – تتحمل المسؤولية وتعمل على حل هذه المشكلة الكبيرة التي لا تُعجز إلا من لا يعمل. إن سنوات طويلة من التخطيط الخاطئ للمدن – من وجهة نظر مرورية على الأقل - وانعدام التخطيط لإدارة حركة المرور والنقل والتنفيذ السيئين للمخططات وضعف تطبيق أنظمة المرور – التي هي نفسها ناقصة ولا تواكب التغير السريع للمدن – قد وصلت ببعض مدننا إلى حال أضر باقتصادها وأثقل كواهل ساكنيها وأفشى بينهم روح الفوضى وسوء التعامل. إن مشكلة مثل مشكلة الازدحام المروري, ليست وليدة اليوم ولا هي مشكلة خاصة بنا أعيت المداوين والمعالجين, ولكنها قضية عالمية تواجهها مدن العالم كافة, وقد استطاع الكثير من المدن التي تفوق مدننا عدداً وكثافة أن تتغلب على هذه المشكلة العصرية وأن تجعل العيش فيها متعة وراحة. لم تستطع جميع المدن التي تغلبت على مشاكل الازدحام أن تدّعي أنها انتهت من حل مشكلتها, بل وظفت لها هيئات متخصصة تراقب الوضع من كثب وتعمل بصفة مستمرة على مراجعة الأنظمة والقوانين التي تؤثر في تنظيم حركة النقل وتقترح تعديلها أو استبدال خير منها بها كلما دعت الحاجة إلى ذلك. لقد تطور علم تخطيط النقل وهندسة المرور تطوراً عظيماً خلال السنوات العشرين الماضية وأجريت آلاف الأبحاث حول مشاكل النقل والمرور, نوقش فيها جميع القضايا التي تعانيها مدن العالم, وليست مدننا إلا واحدة منها. لقد طالبتُ خلال العشرين سنة الماضية بإدارات متخصصة في البلديات تعنى بمشاكل المرور تقوم على أكتاف المهندسين السعوديين المتخصصين, وكانت مطالبة شاملة لتأسيس مؤسسة تبني وتعد للمستقبل, ولكنني أشعر بالأسف والحزن كل ما جلست خلف مقود سيارتي واستعدت ذكريات الكفاح والمطالبة المستمرة التي عشتها في وزارة الشؤون البلدية والقروية. كل يوم أقود فيه سيارتي على أحد شوارع مدينة الرياض أو أقف عند واحدة من إشارات مرورها - التي بُرمجت من قبل صانعيها - أو أُوقف سيارتي في مكان لأعلم هل هو مسموح أو ممنوع أو أمر بحادث مروّع أو رجل مرور يقرأ الجريدة في سيارته المكّيفة, أجد نفسي وكأن السنين التي مرت ليست إلا حلماً, وأن كل الكلام الذي قيل والحوارات التي أثيرت ليست إلا أضغاث أحلام, لأن الواقع الذي نعيشه اليوم من حيث التنظيم لم يتغير ولكن معاناة الناس قد زادت وأحلامهم بمكان يعيشون فيه مرتاحي البال قد تبددت. في الأسبوع الماضي كتبت عن أن هذه الفوضى المرورية قد وصلت إلى حدٍ بدأ فيه بعض الناس يأخذ بزمام الأمور بنفسه, حيث إن أحد المراكز الطبية قد عيّن موظفين خاصين لإدارة حركة المرور, ليس داخل أسوار مجمعه وإنما على شوارع المدينة المحيطة بمبناه, وصار يعترض طريق الناس ويجبرهم على تغيير اتجاهاتهم دون أن يتدخل في ذلك رجل مرور أو مراقب بلدية. إن مثل هذه الممارسات لم تبدأ لدى مركز الحبيب ولن تنتهي فيه, فقد سبقه كثيرون أقاموا الحواجز وأغلقوا المواقف ووضعوا المطبات الصناعية في الشوارع, كل ذلك يحدث على مرأى ومسمع من رجال المرور والبلديات. إن العمل الذي يقوم به مركز الحبيب الطبي يجب أن يكون جرس إنذار مدويا لكل من هو مسؤول في البلديات وإدارات المرور.