العبرة من طرد الكواكب

قرر علماء الفلك الشهر الماضي في مؤتمر الاتحاد الفلكي في براغ العاصمة التشيكية طرد "بلوتو" من قائمة الكواكب الشمسية التي ظل فيها أكثر من 75 عاماً، وجاء هذا القرار بعد أن جرت عملية تصويت بين 2500 عالم حضروا من 75 دولة، وقد تم تحديد المفهوم العلمي للكوكب، بحيث يكون جرماً سماوياً يدور حول الشمس وله كتلة كافية كي تكون له جاذبية تستطيع تحويله إلى جسم كروي الشكل، وعلى الرغم من أن موضوع كوكب بلوتو كان مثاراً للجدل منذ فترة طويلة، إلا أن العلماء قد صنفوه عند اكتشافه بأنه كوكب ظناً منهم أن حجمه يقارب حجم الأرض. ومع تقدم التقنية الفضائية ظهر بأن مدار "بلوتو" يختلف عن المدارات التي ترسمها الكواكب في مسارها حول الشمس، وكانت الضربة القاضية للكوكب عندما اكتشف مايكل براون عام 2003 الجرم السماوي المسمى "2003 يو بي 313" أو ما سُمي "زينا"، الذي يتجاوز حجم قطره قطر كوكب بلوتو، مما حدا بالعلماء أن يتخذوا قرارهم في المؤتمر ويقوموا بطرد بلوتو من المجموعة الشمسية.

إن المتأمل في هذا الطرد على مرأى ومسمع من العالم بعد هذه المدة الطويلة يجد فيه عبرة وفائدة عظيمة يجب الالتفات إليها والاستفادة منها، فها هو كوكب كان في الفلك وضمن المجموعة الشمسية وبقي فيها أكثر من 75 عاماً يكون مصيره بعد ذلك الطرد وإلغاء المكانة التي كان فيها وسحب اللقب أو "المسمى الوظيفي" الذي كان لديه، لم تشفع له سنين الخبرة أو المكانة أو حتى من حوله من الكواكب التي كان في مجموعتها فقد كانت نسبة الأصوات المنادية بالطرد أعلى وتم تنفيذ القرار وتطبيق النظام دون تردد وبالأغلبية.
هناك كثير من الشخصيات الإدارية تتقلد بعض المناصب وتعتقد أنها باقية في هذا المكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأحياناً تعتقد أنها قد اشترت هذا المنصب وأصبح من ممتلكاتها ولا يمكن بحال من الأحوال أن تتخلى عنه أو تتنازل مهما كانت إنتاجيتها أو أداؤها أو ما حققته من إنجازات.
ما إن يصل مثل هؤلاء إلى هذه المناصب فإن فكرهم وتركيزهم وجهدهم تنصب حول كيف يمكن أن يبقوا في هذا المكان أطول فترة ممكنة وأن يستغلوا المميزات الموجودة ويعمدوا إلى اعتبارها حقا من حقوقهم، وغالباً ما يكون اختيار مثل هؤلاء من خلال قرار فردي دون أن تكون هناك مواصفات أو قدرات أو لجنة متخصصة تقوم بمقابلة المرشحين وتعيين الأفضل منهم، ولئن طرد بلوتو وهو كوكب في الفلك من منصبه بعد خدمة 75 عاما وبقرار تصويت من أكثر من 2500 عالم من أكثر من 75 دولة فإن طرد هؤلاء قد يكون أكثر صعوبة فهم باقون في مناصبهم منذ عشرات السنين دون تقييم أو محاسبة أو مراجعة أو كشف إنجازات، ومع ذلك فإن هذا الطرد للكوكب يفتح بوابة الأمل لدينا أن هناك حلما يمكن أن يتحقق بطرد أولئك الذين استولوا على بعض المناصب الإدارية وبقوا فيها عشرات السنين ولم يكن لهم فيها إنجاز يذكر، بل العكس من ذلك فقد عطلوا مصالح الناس وأهدروا المال العام وانتشر الفساد في الإدارات التابعة لهم وساءت الخدمات المقدمة منهم ومن الجهات التي يشرفون عليها وعندما يطرح السؤال لماذا لا يتم إنهاء خدماتهم فتكون الإجابة أن لهم ظهراً وواسطة وهم في دائرة مميزة من الصعب الدخول لها، ولعل ذلك يكون من أسباب طرد كوكب بلوتو إذ كان أبعد الكواكب في المجموعة الشمسية وقد يكون هذا البعد هو سبب الحرمان والإبعاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي