اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية .. (15) هل يمكن كبح جماح اللوبي؟
<a href="mailto:[email protected]">Ffaheem2006@yahoo.com</a>
على ضوء ما أوردناه حول دور اللوبي الإسرائيلي في التأثير على سياسة الولايات المتحدة يتضح أن إسرائيل ومؤيديها في أمريكا يهدفون ويصرون على أن تتعامل واشنطن مع أية تهديدات لإسرائيل وكافة أنواع الخطر الذي قد يقع عليها.
وهم بذلك يرمون إلى قيام الولايات المتحدة بدور الجنود المرتزقة (دون دفع مقابل) لتأمين إسرائيل والصعود بها إلى قمة الهيمنة على منطقتها صناعيا وعسكريا واقتصاديا بما يؤمنها تماما.
وإذا نجحت هذه الجهود ومضت واشنطن على الدرب المرسوم لها فالنتيجة الحتمية هي إضعاف أعداء إسرائيل أو تدميرهم وإخراجهم تماما من حسابات التوازن، وهنا يصبح لإسرائيل مطلق الحرية لتتصرف مع الفلسطينيين كما يحلو لها ويترك للولايات المتحدة باقي المهام مع الآخرين. وهذه المهام هي الحرب من أجل إسرائيل والموت من أجل إسرائيل وإعادة بناء ما تدمره (نموذج العراق وأفغانستان) ودفع التعويضات للمتضررين حتي تتفرغ لضرب غيرهم. وتفيد الشواهد كافة أن الولايات المتحدة تقوم بهذا الدور الذي يبدو للجميع وكأنه جدول سابق الإعداد يتم تنفيذه بدقة وحتى إن فشلت الولايات المتحدة في تغيير الشرق الأوسط كما تحلم إسرائيل وتشاركها واشنطن، ووجدت نفسها في صراع مع شعوب عربية وإسلامية رافضة للتبعية والهيمنة والبطش، فإن إسرائيل ستكسب أيضا مظلة الحماية الأمريكية، وهي حماية قوية وآمنة من القوة العظمي الوحيدة في العالم. وهذا بطبيعة الحال لا يشبع رغبات إسرائيل أو يحقق طموحها، ولكنها ستضطر إلى قبوله خاصة وأن حقائق الصراع ميدانيا كشفت نزعة أمريكا التدريجية للانسحاب من التورط الكامل لصالح إسرائيل، بعدما ووجهت بمقاومة ثقافية عنيفة ورأت الرفض لوجودها في كل مكان، بحيث أصبح عملاؤها والمتلقون لدولاراتها صعوبة بلغت حد الاستحالة في تصدير النموذج الأمريكي المهيمن تحت شعارات مثل "حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية.. إلخ"
والتي أثبتت الأيام خلوها من المصداقية بعد أن تكشف ما في جوانتانامو وأبو غريب والممارسات الفعلية في العراق وأفغانستان وسوف تتضح مدى جدية الولايات المتحدة في الحفاظ على ماء الوجه والابتعاد قليلا عن إسرائيل عندما تضغط عليها للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين.
ويثور التساؤل لدى العرب أو المسلمين وكل أعداء إسرائيل، هل من الممكن كبح جماح هذا اللوبي المتوحش؟ والإجابة أن كل شيء وارد في السياسة. فالولايات المتحدة بورطتها في العراق ومحاولاتها إعادة تصدير صورة جديدة في العالم العربي والإسلامي وما تكشف من نقل أعضاء الإيباك أسرار الولايات المتحدة إلى إسرائيل قد تفكر في تحجيم اللوبي والتصدي له أحيانا، وقد انكمش اللوبي وتراجع مرات عديدة عندما لمس الرفض الحاد والحازم من ايزنهاور وكنيدي ونيكسون بدرجة ما. وها هي واشنطن ترى تحولات مهمة لا تتطلب الخنوع غير المشروط للمشروع الصهيوني ويرى بعض المراقبين أن سياسة الإذعان الكامل لليهود في طريقها للتلاشي وهي مرتبطة بقوة المحافظين الجدد الذي يتوقع سقوطهم سياسيا في أول انتخابات قادمة. فقد ثبت أن حجم التكلفة والجهد الذي تجشمته الولايات المتحدة أكبر من قدرة الغالبية العظمي على السكوت. وأن خسائرها فادحة وأنها إذا استمرت على هذا المنوال فالخسائر ستكون أكبر. لقد أصبح الأمريكي لدى العرب والمسلمين مرادفا للعدو تماما مثل الصهيوني وهو ثمن باهظ وتضحية بجهود قديمة نجحت في رسم صورة إيجابية في الماضي للأمريكي. وهي صورة لها عطاؤها ومكسبها أما المواجهة فسوف تقوي الشعوب العربية والإسلامية الرافضة لتحقير مصالحها لصالح إسرائيل.
وإذا كانت أهداف أمريكا " المعلنة" هي محاربة التطرف ودعم الديمقراطية، فإن ذلك من قبيل الشعارات الجوفاء عندما يقارن المواطن العربي العادي الفعل بالقول. ويكفي أن يتأكد الأمريكيون من فقدهم لهيبتهم العسكرية (الاختباء في المنطقة الخضراء). والثقافية بدحض أكاذيب الديمقراطية والسياسية بانحيازهم الكامل لفريق واحد.
ويجمع الخبراء على أن تراجع الولايات المتحدة عن دعم إسرائيل ولو قيد أنملة لن يتم. ذلك أن الإيباك ومؤيديها ليس لها خصوم أقوياء ولا تحد من يتصدى لشبكتها المعقدة، ولا يوجد لوبي يتمتع بكل خبرتها ونفوذها كما أنها تنعم وتتمتع بدعم الصهاينة المسيحيين.
والإيباك تعلم متى تدخل ومتى تخرج، وهي تدرك الآن أن إسرائيل تجاوزت كل الخطوط وأن على واشنطن أن تبدى بعض الاعتدال (ولو شكليا) لمواجهة عواصف الرفض. ولكن ورقة الإيباك الكبرى هي التبرعات (وهي موضوع بالغ الأهمية والحساسية للساسة الأمريكيين) والضغوط السياسية وكلتاهما ورقتان لا يستطيع معظم الساسة التضحية بهما. وإذا أضفنا إليها الهيمنة على وسائل الإعلام لأدركنا أن موجة التعاطف مع إسرائيل ستبقى ولا مجال لزحزحتها إلا بقيام العرب والمسلمين برفع ثمن تأييد وتكلفة الدعم لإسرائيل بإحداث خسائر هائلة لأمريكا.
ويبدو الموقف مقلقا لأن نفوذ اللوبي يسبب الإزعاج على جبهات متعددة. فهو يزيد من احتمال تعرض الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لضربات انتقامية. وعندما يصر اللوبي على منع زعماء أمريكا من الضغط على إسرائيل للتوصل إلى صلح مشرف مع الفلسطينيين فإن الصراع سيستمر دون توقف. والمخيف فعلا أن اللوبي جعل قضية الضغط على تل أبيب من المحرمات التي يجب البعد عنها تماما، كمقدمة لسياسة اليد الصهيونية الطليقة في فلسطين. وهذا الإصرار الأمريكي الصهيوني على البطش بالفلسطينيين يذكي روح المقاومة ويزيد أعداء الجنود الذين يصطفون في طوابير العداء لضرب المحور الإسرائيلي – الأمريكي. والإصرار على البطش وسلب الحقوق على الطريقة الإسرائيلية الأمريكية هو المدخل لزيادة عدد المتطوعين في المعسكر العربي والإسلامي. مما يجعل المعركة طويلة والتكلفة عالية على الأمريكيين الذين هم بحاجة حقيقية إلى قراءة مصالحهم بتجرد وموضوعية.
ومن الأمور التي يخشاها العقلاء في أمريكا أن تؤدي ضغوط اللوبي اليهودي إلى توسيع الهوة بين الولايات المتحدة وكل من سورية وإيران باعتبار ضربهما هدفا إسرائيليا مهما. والمعروف أن سورية أثبتت مرارا صداقتها لواشنطن وللشعب الأمريكي ومشكلتها مع إسرائيل تتمثل في احتلال أراضيها، وهو أمر طبيعي أن يبقي على غيوم التوتر، ولكن الإسرائيليين يغضون الطرف تماما عن هذه الحقيقة ويؤكدون على أن سورية "بيت الإرهاب" لتخويف الأمريكيين الذي فقدوا كل قدرة على التريث والتعقل بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، ويكفي أن يشير أحد بإصبعه ويقول "إرهاب" حتي تنطلق الآلة الأمريكية في مطاردة وهمية لهذا الهدف.
وليس سرا بعدما حدث في العراق ولبنان أن الدول العربية ليست هدفا سهلا، وأن طاقة أمريكا لن تمكنها من تحقيق كل أحلام اليهود، بل ستقع في مستنقع يفوق فيتنام لأن حالة الكراهية والرفض للأمريكيين تشي بصراع عنيف يفوق قدرة أمريكا ويجمع خبراء الاستراتيجية أن الاقتراب عسكريا من إيران ستكون له نتائج كارثية.
وليس سرا أن السبيل الوحيد لإيقاف المقاومة العراقية الأفغانية هو في تدجين الدول المحيطة بالمواقع القتالية، ومن دون باكستان موالية يصعب إسكات أفغانستان ومن دون سورية ساكنة ومنطقة الخليج المتعاطفة لن يمكن إسكات العراق، مما يعني أن أمريكا ليست بحاجة إلى زيادة أعدائها ولكنها بحاجة إلى احترام حلفائها الحقيقيين والأخذ بنصائحهم والبعد عن استفزاز باقي العرب أو المسلمين لصالح الصهاينة وتحت حجج واهية مثل الرغبة في التحقق من قيادة المرأة للسيارة والحرص على الديمقراطية وتحقيق الرفاهية (والأولى أن يتجهوا إلى بؤر الفقر المهولة في إفريقيا) وحقوق الإنسان (لا نراها في جوانتانامو وأبو غريب).
ولعل استمرار ساسة أمريكا في تعمية أنفسهم ووضع العصابة السوداء على عيونهم حتى لا يروا إلا ما يسمح به اللوبي هو الكارثة بعينها من وجهة نظر الأمريكيين أنفسهم.