إلى من أدرك والديه

<a href="mailto:[email protected]">imbadawood@yahoo.com</a>

كثرت الفتن في هذا الزمن ومع كثرة الفتن تختلف الآراء وتتعدد وجهات النظر ويبدأ الخلاف فيتمسك كل طرف برأيه ويدافع عنه ويجد الشيطان في هذه المواقف بيئة خصبة ومدخلاً مناسباً فيؤجج هذا الخلاف ويثيره ليربطه بأوضاع أخرى قد تكون بعيدة كل البعد عن موضع الخلاف فيجتهد في وضع الروابط وإثارة الأسباب ويزينها للطرفين ويؤكد أنها هي أساس الخلاف ليسهم في تعميق هذه الفجوة وتأكيد الخصومة وزرع الشقاق بين الطرفين.
ومن أكثر العلاقات التي يحرص الشيطان على هدمها والقضاء عليها هي العلاقات الأسرية مثل علاقة الزوج مع الزوجة أو الابن مع الوالدين أو أبناء العمومة أو غيرها من العلاقات الأخرى، ويعمد الشيطان في كثير من هذه الأحوال إلى استخدام سلاح المال فيجعله سبباً رئيسياً في هدم هذه العلاقات وتدميرها أو التأثير فيها، فكم من عائلات تجارية تفرقت بسبب المال، وكم من إخوة اختلفوا بسبب المال، وكم من بيوت كبيرة كان لها تاريخ عريق في التجارة لم يبق لها ذكر بسبب الخلاف على المال، وكم من أرواح أزهقت ونفوس تعبت وأجسام أهلكت بسبب المال.

ومن أكثر العلاقات التي يشعر الإنسان تجاهها بالألم والحسرة ما يراه من خلاف وفرقة تحدث بين الآباء والأبناء بسبب الأموال، على الرغم من أن الطرفين ليسوا في مقام واحد فهؤلاء آباء تعبوا وسهروا وعملوا ليل نهار وأولئك أبناء نشأوا فوجدوا كل سبل المعيشة متوافرة لهم, ومع ذلك يأبى كثير منهم إلا أن يقفوا أمام آبائهم موقف الخصم.
لقد سعى الشيطان منذ القدم إلى التفرقة بين الآباء والأبناء بسبب المال وحسم الرسول, صلى الله عليه وسلم, هذه القضية بقوله "أنت ومالك لأبيك", فمهما كبر الابن أو كثر عمله أو زاد ماله أو توسعت تجارته أو ارتقى في سلم المناصب والنفوذ فهذا كله لا شيء أمام الوالدين، فهما الأساس وهما السبب الذي جعله الله لوجوده.
إن كثيراً من أبناء جيل اليوم لم ينزلوا الوالدين منزلتهم, ولم يعرفوا مكانتهم حق المعرفة, ولم يقدروا قيمتهم, ولم يعطوهم ولو جزءاً يسيراً من حقوقهم, بل على العكس من ذلك ناصبوا آباءهم العداء ولم يعطوهم حقوقهم. وقد نشرت جريدة "عكاظ" الأحد الماضي خبراً مفاده أن أحد الأبناء في حائل اختلف مع أبيه خلافاً حاداً تطور إلى درجة الملاسنة والشتائم والتشابك بالأيدي, ما أدى إلى سقوط الأب أرضاً وقيام الابن بسرقة السيارة, فيتوجه الأب إلى قسم الشرطة ويبلغ الضابط أن ابنه سرق السيارة, ودعا على ابنه بالهلاك والموت بسبب مشاكله واصفاً إياه بالعاق، وبمجرد تسجيل الضابط بلاغ السرقة وصله بلاغ بوقوع حادث مروري على طريق حائل فخرج ليباشر الحادث فوجد جثة شاب اتضح فيما بعد أنها جثة الابن العاق. إنها دعوات الوالدين التي لم يعرف كثير من الأبناء قيمتها حتى اليوم, بل يستهزئ بها البعض منهم أحياناً ويتجاهلها أحياناً أخرى.
إن النظرة الحانية والابتسامة الغالية والكلمة الطيبة والدعوة المباركة من الوالدين تعدل الدنيا وما فيها, وما زال كثير من أبناء هذا الجيل يشككون في قيمتها ويزهدون فيها ويحرمون أنفسهم منها، ويكفي هؤلاء المحرومين ممن لديهم والدان أو أحدهما أن يسألوا من توفي والداه ماذا تتمنى أن تفعل لو كانا على قيد الحياة؟ لا شك أنه سيتمنى أن يبقى بين أيديهما يلبي احتياجاتهما ويؤدي حقوقهما التي قصر في أدائها, ويتمنى أن يحصل ولو على جزء بسيط من رضاهم.
يجب أن يقدر الأبناء في هذا العصر المادي قيمة والديهم حق قدرهم وأن يدركوا مكانتهم وقيمتهم جيداً أكثر بكثير من إدراكهم لقيمة مشاريعهم التجارية أو أرصدتهم البنكية أو أسعار أسهمهم في صالة التداول ، إننا بحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى دعوات الوالدين المباركة التي يجب أن نضحي لأجلها وأن نبذل لها كل غال ونفيس وأن نحرص على نيل رضا والدينا فإن رضى الله من رضاهما ، فاللهم أرض عنا ورضّ والدينا عنا .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي