"حوار التربية" و"تربية الحوار" محطة مميزة للحوار الوطني

يركز حوار التربية والتعليم لهذا العام على أربعة محاور، يتعلق الأول منها بمتطلبات قطاع التعليم ومدخلاته، بينما يتناول المحور الثاني مكونات وعناصر العملية التعليمية، ويناقش المحور الثالث أوجه العلاقة والشراكة بين المؤسسة التعليمية والمجتمع بمختلف شرائحه ومؤسساته، وأخيراً يعالج المحور الرابع نواتج التعليم في ضوء معايير الجودة ومتطلبات التنمية الشاملة.
ومن خلال تشرفي بالحضور والمشاركة في إحدى فعاليات الجولة الأولى التي عقدت في محافظة القصيم قبل عدة أسابيع، تكونت لدي مجموعة من الخواطر والانطباعات والتأملات، وددت عرضها على ساحة الحوار الصحافي بوصفها أحد منافذ الحوار الجماهيري، وحيث إنني عنونت هذا المقال بـ "حوار التربية" و"تربية الحوار"، فإنني سأطرح خواطري على شكل وقفات تشمل هذين الجانبين.
أما فيما يخص "حوار التربية" وهو موضوع الحوار الوطني لهذا العام، فهو بلا شك يمثل أولوية قصوى لأن معالجة قضايا التعليم والعمل على تطويره، هي البداية الحقيقية لأي محاولة جادة للإصلاح المجتمعي. وأما ما يتعلق بالوقفة الأولى في هذا الجانب، فلقد استرعى انتباهي في فعالية حوار القصيم، التمثيل الواسع لشتى العناصر البشرية المعنية بالتعليم من داخل المؤسسة التعليمية وخارجها، حيث بلغ عدد المشاركين نحو 60 مشاركاً ومشاركة، وكان من أبرز فرسان هذه الفعالية مجموعة من طلاب وطالبات المدارس الذين قدموا آراءهم ومقترحاتهم عن واقع التعليم من خلال تجاربهم ومعاناتهم وتطلعاتهم بوصفهم محور العملية التعليمية وهدفها ونتاجها الحقيقي واستثمارها الفعلي.
أما الوقفة الثانية فتركز على تباين مستويات الحوار التربوي وتنوع اهتماماته، حيث ركزت بعض المداخلات على المنظور المكبر Macro view لمعالجة قضايا التعليم، بينما ركزت الغالبية العظمى من المداخلات على المنظور المصغر Micro View الذي تضمن الممارسات الإجرائية والمعاناة الجزئية ليوم العمل التربوي. أما الوقفة الثالثة التي جالت في خاطري وأتمنى أن أراها مستقبلاً على أرض الواقع، فهي النظر إلى هذه الفعالية نموذجا يحتذى ينبغي تعميمه وتفعيله، من خلال تبني المؤسسات الحكومية والأهلية على حد سواء إقامة فعاليات وأنشطة مصاحبة للقاءات التحضيرية أو اللقاء الرئيسي للحوار، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تمنيت لو بادرت إدارة تعليم البنين أو البنات في محافظة القصيم، وقس على ذلك محافظات المملكة كافة، أو جامعة القصيم، أو الغرفة التجارية والصناعية، أو المركز الإعلامي أو بعض المدارس والمعاهد الحكومية والأهلية أو الأندية الرياضية والثقافية، أو الأجهزة الأمنية والمرورية، أو المساجد وجمعيات النفع العام والخاص، وغير ذلك، أقول تمنيت لو بادر الجميع بالمشاركة لتعظيم الفائدة من مشروع الحوار التربوي، كل فيما يخصه ووفقاً لزاوية اهتماماته وعلاقته بالعملية التعليمية من جهة, وفي ضوء إمكاناته المادية والبشرية من جهة أخرى.
إن إثراء الحوار وترسيخه وتعميقه مطلب استراتيجي ومسؤولية مجتمعية سواء كان موضوع الحوار تربوياً لهذا العام، أو غير ذلك من المواضيع ذات العلاقة بقضايا المجتمع وتحدياته التي ستطرح لاحقاً في الأعوام المقبلة, بإذن الله, لأن التعريف الحقيقي للحوار الوطني في نظري، هو عملية مستمرة لممارسة التفكير الجماعي بصوت مسموع في مختلف القضايا والتحديات التي تواجه الوطن، تتاح فيها حرية التعبير وتقبل الرأي الآخر بهدف تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق المصلحة العامة في ضوء الثوابت الشرعية والمجتمعية.
ولو انتقلنا للشق الثاني من عنوان هذا المقال وهو "تربية الحوار" يتضح لنا عظم المسؤولية الملقاة على عواتق المؤسسات التعليمية والتربوية ، وتبرز أهمية وحيوية موضوع الحوار لهذا العام الذي اختص بالشأن التربوي. إن حواراً لا يستند إلى تربية تنمي مضامين الحوار وأساليبه وتركز على غرس ثقافة الحوار وأدبه، لا يمكن وصفه إلا بالحوار الأجوف عديم الفائدة أو قليلها.
من هذا المنطلق فإن الوقفة الأولى في جانب "تربية الحوار"، ما هي إلا عبارة عن رسالة مفتوحة من القلب إلى القلب لجميع المؤسسات التربوية التي تعنى بالناشئة والشباب ولا سيما المدارس، والمعاهد والجامعات في قطاع التعليم، بأن يعيدوا النظر في استراتيجياتهم وسياساتهم وأهدافهم وما ينبثق عنها من برامج ومناهج وأنشطة صفية وغير صفية بحيث تتضمن المكونات والوسائل والمعايير التي تحقق كفايات الحوار القيمية والمعرفية والمهاراتية لدى جميع منسوبي التعليم إدارة، وأساتذة، وطلاباً.
وفي هذا المجال أود الإشارة إلى أهمية التركيز على ما يسمى مفهوم "الثقافة التنظيمية" للمؤسسات التعليمية الذي يعنى باختصار تحقيق التوافق والانسجام والتعاون المبني على الاحترام المتبادل بين العناصر البشرية كافة داخل المؤسسة التعليمية وفي إطار البيئة المحيطة بها.
إن المؤسسة التعليمية يلتحق بها عدد من الطلاب أو الطالبات، وتضم مجموعة من المعلمين والإداريين والفنيين ينحدرون من مستويات ثقافية واقتصادية واجتماعية متعددة، لذا كان من الضروري على القيادة المدرسية أن تضع الأطر والإجراءات المحققة للالتزام بتنفيذ السياسة التعليمية التي تؤكد ترسيخ الالتزام بتعاليم الشريعة الإسلامية السمحة وتحض على تبني المنهج الفكري الإسلامي المعتدل ونبذ عوامل ومؤشرات ومظاهر الفكر المتطرف أو المنحرف. وفي هذا الصدد لا بد أن تسعى القيادة المدرسية إلى تحقيق العدالة والمساواة وإتاحة الفرصة للتعبير عن الرأي وتقبل الرأي الآخر من خلال ترسيخ "تربية الحوار" وتعزيزها وتنميتها.
ولعلي أختم انطباعاتي وخواطري وتأملاتي من خلال مشاركتي المتواضعة في فعاليات الحوار الوطني في القصيم بالوقفة الثانية في جانب "تربية الحوار". لقد سعدت بأن القائمين على الحوار الوطني في هذه الفعالية، تبنوا الإعداد لدورة تدريبية أو ورشة عمل مصاحبة ركزت على تنمية مهارات الحوار، شاركت فيها مجموعة من الطالبات وانتهت بتوزيع الشهادات بإتمام هذه الدورة، وفي اعتقادي أنها تجربة رائدة أتمنى أن تحظى بالاستمرارية والمزيد من التطوير، ومن ثم التوسع في تطبيقها على أرض الواقع، وإجراء المزيد من الدورات أو ورش العمل المماثلة لمختلف شرائح المجتمع وأن يتم ذلك من خلال التنسيق مع المؤسسات التعليمية والتدريبية لكي تعم الفائدة.
إن حوار التربية في نظري محطة مميزة لمسيرة الحوار الوطني في بلادنا الغالية. آمل أن نستخلص منها الدروس والفوائد, ولا سيما ما يتعلق منها بتربية الحوار التي ستثري الحوار في محطاته الجديدة, والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي