مالك بن نبي
<a href="mailto:[email protected]">kjalabi@hotmail.com</a>
يعتبر هذا المفكر الجزائري من طراز غير تقليدي فهو عاش بين ثقافتين العربية والفرنسية. وبقي مسلم القلب مهتما بنهضة المسلمين. ولكنه اطلع على إضافات المعرفة وجدلية المعاصرة. وكان من ناحية المهنة مهندسا كهربائياً ولكنه مارس حرفة الفكر والكتابة أكثر من مهنة الكهرباء. وعاش فترة الاستعمار الفرنسي. وأحزنه تخلف المسلمين. وشارك في النضال السياسي. ودخل مصر لاجئاً سياسياً. وكتب قسما من كتبه باللغة الفرنسية التي كان يتقنها وكان يعرف الحضارة الغربية كخبير وليس كسائح. وزوجته الأولى كانت فرنسية مسلمة عاشت معه المعركة الفكرية وهموم المطاردة والتنقل. وبعد فترة الاستقلال الجزائري عين وزيرا للتربية لفترة. وتوفي في عام 1973 م عن عمر 67 سنة بسبب نزيف دماغي حيث وافته المنية وهو في أفضل فترات عطائه. ومازلت أتذكر الرجل عندما حضر إلى دمشق عام 1971 وفوجيء بكثافة جماهيرية غير معهودة تستقبله في المجالس وألقى محاضرة في مدرج جامعة دمشق يومها عن هزيمة حزيران وأرجع المشكلة إلى قصور حضاري. وهو كتب نحو 18 كتاباً كلها تحت سلسلة (الحضارة) ولم ينتشر فكر هذا الرجل على أهميته إلا قليلاً في مؤشر خطير على ضعف القابلية في المجتمع العربي للتطور. ويحضرني في هذا أكثر من كتاب أتعجب كيف كتبه صاحبه ولم يستفد منه حتى الآن كما في كتاب (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) للكواكبي الحلبي وأحيانا أقارن كتابات الخمسينيات فأرى فيها نورا لم يتابع طريقه وإضاءته وتطوره. وكلها مؤشرات سلبية إلى عدم تكون التيار العلمي الجماهيري في العالم العربي. ونرجع إلى مالك بن نبي الجزائري ويمكن اعتبار ثلاثة من أفكاره من أهم ما طرح وهي فكرة (القابلية للاستعمار ) و(علاقة الحق بالواجب ) و(المعرفة التاريخية), وفي فكرته الأولى يصب في نفس قناة الآية القرآنية عن معنى الظلم وكيف يقع وباعتبار الظلم الأكبر وهو الاستعمار الذي وقعت في شبكته معظم دول العالم العربي فإنه لم يوجه اللوم بالدرجة الأولى إلى الاستعمار بل القابلية للاستعمار عند الشعوب, وهذا الطرح له أيضاً ثلاث زوايا مفصلية فكرية تؤسس لثقافة جديدة: أولاً انقلاب محاور التفكير ووضع سلم الأولويات بحيث يمشي الفكر سويا على صراط مستقيم وليس مقلوبا يمشي على رأسه. وثانياً أن هذا المرض داخلي قبل أن يكون خارجياً وهي علة مزمنة تأسست في منظومة الثقافة العربية منذ معركة صفين حين انشق الواقع عن الضمير وضاعت الخلافة الراشدية. وثالثاً إن جدوى العمل هي بالتحرر من القابلية للمرض أكثر من جراثيم المرض. ويبدو أن فكر هذا الرجل ضمن هذه المنظومة لم يأخذ تأثيره في مفاصل الفكر العربي الحديث إلى درجة أن بعضاً ممن كتب في تقييم هذا الرجل اعتبر أن دوره انتهى من الثقافة العربية. والواقع أن الثقافة العربية لم تستفد منه وهو يمثل ترسانة فكرية وخزان هائل للطاقة الفكرية ولكن لم يستفد الفكر العربي منه حتى الآن تحت نفس آلية القابلية التي تكلم عنها الرجل وهذا تطبيق ميداني مثير على نفس أفكار الرجل رحمه الله. عندما رأيته للمرة الأولى في دمشق شدني إليه عقله المنظم وكيف يستخدم تعبيراته برشاقة هندسية وأحياناً يقف ويسحب كلمة مما تحدث بها ثم يضع مكانها الكلمة المناسبة تماماً كمثل من يبني بناية فيتقن وضع الأسس وينتهي بالقطع الجمالية والديكور المناسب وفوق كل ذي علم عليم.