"الفاشيون الإسلاميون": الأسس الفكرية والسياسية لمقولة الرئيس بوش
<a href="mailto:[email protected]">drashwan59@yahoo.com</a>
فور أن أعلنت السلطات البريطانية عن كشفها مخططاً إرهابياً لتفجير عدد من الطائرات المدنية المتجهة من المطارات البريطانية إلى مختلف المطارات الأمريكية باستخدام مواد متفجرة سائلة، سارع الرئيس الأمريكي جورج بوش بإعلان أن هذه المؤامرة تعد "تذكرة قوية بأن هذه الأمة في حالة حرب مع الفاشيين الإسلاميين الذين يستخدمون أي سبيل لتدمير من يحبون الحرية منا من أجل إيذاء أمتنا". ولم يمض أكثر من يومين على تلك التصريحات التي أثارت صدمة وردود أفعال غاضبة بين المسلمين في مختلف أنحاء العالم وبخاصة الولايات المتحدة، حتى بادر الرئيس الأمريكي بتصريحات جديدة لوسائل الإعلام بدت مكملة للسابقة وأثارت مزيداً من هذا الغضب وقدراً كبيراً من الاستغراب مما حمله مضمونها. وقد صرح الرئيس الأمريكي أن حزب الله اللبناني ومخططي عملية تفجير الطائرات يشتركان في "أيديولوجية شمولية" يعملون على نشرها، وأضاف أن هؤلاء "الإرهابيين" يسعون إلى "تأمين مقر يهاجمون منه الأمم الحرة" وأنهم "يقتلون المدنيين، والجنود الأمريكيين في العراق وفي أفغانستان، ويختبئون عمدا خلف المدنيين في لبنان، ويسعون إلى نشر مذهبهم الشمولي" في كل مكان.
ومن هنا فقد بدا واضحاً من تصريحات الرئيس الأمريكي المدى الذي وصل إليه في فهمه وإدراكه لما يدور حوله في العالم الذي تقع دولته على قمته ويوجد هو على قمة هذه الدولة. الأمر قد تجاوز الحديث عن "الإرهاب"، ذلك العدو الغامض غائب التعريف الذي يشن عليه الرئيس بوش وإدارته حرباً عالمية منذ نحو خمس سنوات، إلى الحديث عن "فاشيين إسلاميين" يمثلهم حلف واحد يعدد الرئيس الأمريكي أطرافه فيذكر منها حزب الله وتنظيم القاعدة وحركة طالبان ومختلف جماعات المقاومة الإسلامية والوطنية في العراق وفلسطين وأفغانستان. الرئيس الأمريكي يضع بتصريحاته هذه كل الحركات الإسلامية على اختلافها البين والعميق في حلف واحد يطلق عليه "الإسلامي الفاشي"، والذي لا يرى له من أهداف سوى تدمير من يحبون الحرية من الغربيين عموماً والأمريكيين خصوصاً من أجل إيذاء الأمم الغربية كلها.
والرئيس الأمريكي لا يصدر في خلطه هذا بين مختلف الحركات الإسلامية وجمعه لها تحت هذه التسمية الواحدة عن جهل بحقيقة الاختلافات العميقة فيما بينها، بل يصدر على الأرجح عن عاملين رئيسين. العامل الأول هو عامل أيديولوجي، يرتبط بتيار المحافظين الجدد بمختلف أجنحته اليمينية والمسيحية في الولايات المتحدة والذي يعد الرئيس بوش هو الممثل الأبرز له، حيث لا يرى ذلك التيار في الحركات الإسلامية كافة في كل مكان من العالم سوى ما تقوم به فئة صغيرة منها من أعمال عنف وإرهاب، فيلصق ذلك بكل الحركات ويضعها جميعاً كما ذكر الرئيس الأمريكي تحت عنوان واحد هو "الفاشية الإسلامية". أما العامل الثاني فيرتبط أكثر بالسياسة العملية، حيث يخوض الرئيس الأمريكي وإدارته حملات دعائية واسعة في بلادهم من أجل إقناع الرأي العام المغيب فيها بأنهم يخوضون نيابة عنه حرباً حقيقية ضد خطر كبير داهم يهدده تمثله تلك "الفاشية الإسلامية"، الأمر الذي يكفل لهم مزيداً من التأييد الشعبي وأموال الضرائب للحروب والمغامرات العسكرية الكبرى التي يقومون بها في مختلف مناطق العالم. ومن الملفت في هذا السياق أن نلحظ أن السفير الإسرائيلي في مجلس الأمن قد أقام كلمته التي ألقاها أمام المجلس في جلسة إصدار القرار 1701 بشأن الحرب على لبنان على فكرة الرئيس بوش نفسها بالربط بين مقاومة حزب الله في لبنان للعدوان الإسرائيلي وبين مؤامرة تفجير الطائرات الإرهابية، ليخلص إلى القول أن إسرائيل تخوض في لبنان نصيبها من الحرب التي يشنها "العالم الغربي المتحضر" ضد صور الإرهاب المتعددة. ولا شك أن هذا التطابق بين الخطابين الأمريكي والإسرائيلي بشأن حزب الله وتعمد الخلط بينه وبين جماعات أخرى تعلق بها شبهات إرهابية، إنما يعكس من ناحية مدى التحالف الاستراتيجي والفكري بين الدولة العبرية والإدارة الحالية في البيت الأبيض، ويعكس من ناحية أخرى سعي هذا التحالف لاستخدام حجة "الحرب ضد الإرهاب" من أجل التخلص من صور المقاومة المشروعة كافة لأي شعب في العالم لاعتداءاتهم الغاشمة عليه. ومما يلفت النظر أكثر هنا هو أن من يتحدثون عن تلك "الفاشية الإسلامية" يفعلون هذا في الوقت نفسه الذي تقوم فيه آلة الحرب الإسرائيلية بأبشع هجوم على لبنان لتقتل مدنييه وتدمر بنيته التحتية وتخرق القوانين الدولية كافة سواء المتعلقة بالعلاقات بين الدول أو بالحقوق الأساسية للإنسان، في ممارسات هي الأقرب فعلياً لما فعلته الفاشية والنازية في أوروبا والعالم أثناء الحرب العالمية الثانية.
وبالارتباط بالملاحظة السابقة يبدو أن اختيار الرئيس بوش لهذا المصطلح، أي الفاشية، لوصم الإسلام أو الإسلاميين بها إنما يصدر عن عمد لكونها معروفة في التاريخ الغربي بتطرفها الحاد وجرائمها الواسعة ضد الإنسانية، الأمر الذي يشوش على الشعوب الغربية حقيقة اختلاف الغالبية الساحقة من المسلمين والإسلاميين عن تلك التجربة المتطرفة القاسية في التاريخ الغربي، ويوقع بهم في فخ مطابقتهم لها، وهو ما يسعى إليه الرئيس الأمريكي. ومع ذلك فالأخطر هو أن هذا النوع من الوصف للإسلام أو المسلمين أو الإسلاميين بالفاشية لم يعد اليوم مجرد انحياز فكري وسياسي لأفراد أو قطاعات صغيرة من النخبة الغربية والأمريكية، فهناك انتشار كبير في أوساط تلك النخبة لهذا الوصف وتبن واسع لتلك الرؤية المتطرفة للإسلام وتابعيه بكل فئاتهم عبرت عنهما تصريحات الرئيس بوش. ويكفي للتعرف على حجم هذا الانتشار والتبني وتوقع مدى خطورة تطرفه على استقرار العالم وأمنه أن نبحث في شبكة الإنترنت عن المصطلح الذي استخدمه الرئيس بوش، أي "الفاشيون الإسلاميين"، بأي من محركات البحث المتاحة، لنكتشف أنه تكرر باللغة الإنجليزية وحدها نحو خمسة ملايين مرة!