ما وراء زعم الظواهري انضمام الجماعة الإسلامية إلى ((القاعدة))
<a href="mailto:[email protected]">drashwan59@yahoo.com</a>
عندما بثت قناة الجزيرة الفضائية قبل عدة أيام شريطاً جديداً لنائب زعيم تنظيم قاعدة الجهاد والأمير السابق لجماعة الجهاد المصرية الدكتور أيمن الظواهري ومعه عضو سابق في الجماعة الإسلامية المصرية يعلنان فيه انضمام "طائفة كبيرة" منها إلى تنظيم القاعدة، وضع الإعلاميون والأمنيون على مستوى العالم هذا الخبر في مقدمة أولوياتهم باعتبار أنه إذا ما صدق فسوف يمثل "انقلاباً" حقيقياً في التطورات والتوقعات المتعلقة بقضية العنف والإرهاب. وعلى الرغم من أن شكل ومضمون الشريط الذي أعلن هذا الخبر كانا يؤكدان منذ اللحظة الأولى أنه غير صحيح، فإن سيلاً من التحليلات والتوقعات حول أبعاده انهمر في كل وسائل الإعلام العربية والأجنبية لعدة أيام كانت كافية لكي يتأكد الجميع بعدها ـ أمنيون وإعلاميون ـ أنه مختلق وبلا أي أساس واقعي.
وبعد الانتهاء ـ تقريباً ـ من المناقشة حول حقيقة انضمام الجماعة الإسلامية المصرية أو "طائفة" منها كبيرة أو صغيرة إلى تنظيم قاعدة الجهاد بحسم عدم صحة ذلك، يبدو أنه من الضروري الآن مناقشة الدوافع والأسباب التي كمنت وراء إصدار هذا الشريط الذي حمل ذلك الادعاء من جانب نائب زعيم تنظيم القاعدة. وفي هذا السياق تظهر خمسة دوافع وأسباب رئيسية، أولها متعلق بالسياق العام الذي تمر به حالياً مناطق عديدة من العالمين العربي والإسلامي. فالعدوان الإسرائيلي البربري على لبنان وقبله الاكتساح المدمر لقطاع غزة وبجوارهما تصاعد حدة العمليات العسكرية في أفغانستان وتدهور الأوضاع الأمنية والعسكرية المتسارع في العراق، خلقت جميعها حالة عالية من الاستنفار في العالمين العربي والإسلامي، وخصوصاً في أوساط مختلف الحركات الإسلامية، وبصورة أخص بداخل الحركات الجهادية والعنيفة. ولما كانت القاعدة بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري تقع ضمن تلك النوعية الأخيرة من الحركات وتضع نفسها في مقدمة المواجهة مع من ترى أنهم أعداء الإسلام والأمة، فقد كان طبيعياً أن يسعى قادتها إلى إشعار هؤلاء الأعداء أن جبهة المواجهة ضدهم تتسع وتضم كل يوم أطرافاً جديدة ينضمون إلى القاعدة، وهو الأمر الذي يبدو أن الظواهري سعى لتحقيقه عبر إعلانه انضمام الجماعة الإسلامية الأكبر في مصر والتي كانت الأكثر عنفاً في الماضي القريب إلى تنظيم القاعدة.
من ناحية ثانية، وغير بعيد عن السياق نفسه، فمن المعروف تنظيم القاعدة قد نجح خلال الأعوام الخمسة الأخيرة في نشر أفكاره ونموذجه في عديد من مناطق العالمين العربي والإسلامي وبعض الدول الغربية، فضلاً عن نجاحه مع حركة طالبان خلال الشهور الأخيرة في استعادة القدرة على الهجوم الواسع ضد القوات الحكومية والغربية الحليفة معها في أفغانستان. ومع كل ذلك التوسع فإن التنظيم العالمي لم يستطع في أي لحظة ـ حتى الآن ـ اختراق المجتمع المصري واجتذاب جماعات أو حتى مجموعات إسلامية ذات قدرة وتأثير إلى أفكاره أو نموذجه، على الرغم مما جرى في جنوب سيناء خلال العامين الأخيرين من تفجيرات تمت بأسلوب القاعدة لا تزال أبعادها والجهات المسؤولة عنها والواقفة وراءها غير معروفة بدقة حتى اليوم. ولا شك أن مثل هذا الإخفاق في اختراق القاعدة للمجتمع المصري ومختلف حركاته الإسلامية يمكن أن يعد بمثابة "إخفاق" شخصي لأيمن الظواهري نائب زعيمها في بلده الأصلي، الأمر الذي قد يفسر جانباً من الإعلان الذي قام به في الشريط المذكور والذي يحقق له من الناحية "الإعلامية" وليس الواقعية هذا "الانتصار" المفتقد في اختراق المجتمع المصري. ومن ناحية ثالثة، فمن المعروف مدى العداء الذي يكنه الظواهري بصفة خاصة للنظام المصري الذي ظل يقاتله لنحو 20 عاماً حتى غادر البلاد إلى الخارج، وظل هناك محتفظاً بالعداء نفسه، على الرغم من تغير أولوياته من قتاله إلى قتال "العدو البعيد" الخارجي. وفي هذا الإطار فلاشك أن إذاعة خبر انضمام أعداد كبيرة من قيادات وأعضاء الجماعة الإسلامية إلى تنظيم القاعدة، وهي التي تضم آلافاً من الأعضاء، حتى لو لم يكن صحيحاً سيخلق حالة من الاضطراب الأمني في مصر قد يكون الظواهري يعتقد أنها واحدة من أدواته لقتال النظام السياسي الذي يعاديه فيها.
من ناحية رابعة، فمن المعروف تاريخياً أن أيمن الظواهري كان جزءاً من تنظيم الجهاد الموحد الذي نشأ للمرة الأولى في نهاية عام 1980 بعد أن تجمعت بداخله جميع المجموعات الجهادية الصغيرة، ومن بينها مجموعة أيمن الظواهري نفسه، وأن هذا الأخير قد أصبح أميراً لهذا التنظيم الموحد في الفترة من نهاية 1993 حتى 1999 حينما تركه بعد أن انضم إلى الجبهة الإٍسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين التي شكلها أسامة بن لادن في شباط (فبراير) 1998 وتمخض عنها فيما بعد تنظيم القاعدة. ومن المعروف أيضاً أن الجماعة الإسلامية المصري قد أعلنت عن مبادرتها للوقف النهائي للعنف في تموز (يوليو) 1997 ببيان وقعه ثمانية من قياداتها التاريخية وهو الذي تبعه بيان آخر من بعض قيادات الجهاد من داخل السجون يؤيدون فيه تلك المبادرة. وفي خلال السنوات التي تلت ذلك تتابعت بيانات قيادات الجهاد من داخل السجون وخارجها بتأييد وقف العنف، وهو ما دخل أخيرا في مرحلة جديدة بدأت فيها قيادات الجهاد الأساسية في السجون في إعداد مؤلفات سيتم نشرها تتضمن الأسس الشرعية لمراجعاتهم لأفكار العنف السابقة، مثلما فعلت الجماعة الإسلامية من قبل بنشرها سلسلة "تصحيح المفاهيم" بدءاً من كانون الثاني (يناير) 2002. وفي هذا السياق فقد قامت قيادات الجماعة الإسلامية بعديد من الحوارات والمناقشات مع قادة الجهاد بداخل السجون بتسهيل من السلطات المصرية للاستفادة من خبرتهم في مجال المراجعات الفكرية، وهو الأمر الذي اعتبره الظواهري بمثابة "تخريب" من قيادات الجماعة بداخل صفوف المجموعات التي كان ينتمي إليها تاريخياً، بل وكان أميرها لفترة غير قليلة. وبذلك يمكن وضع شريط الظواهري ضمن سياق رغبته في رد الضربة للجماعة الإسلامية وقياداتها بسبب تدخلهم هذا، وأن يريهم أنه قادر بدوره على التدخل الأخطر في قلب صفوف الجماعة نفسها.
ولا يخفى أخيراً أنه من الوارد في ظل كل الدوافع والملابسات السابقة أن يكون الظواهري قد وقع ضحية معلومات خاطئة وصلته عبر عضو الجماعة الإسلامية محمد خليل الحكايمة الذي أعلن معه خبر انضمام عدد كبير من قياداتها وأعضائها إلى القاعدة تتعلق بهذا الانضمام، الأمر الذي دفع به إلى تسجيل هذا الشريط غير الحقيقي وإذاعته على الملأ.