توحيد فترة التداول .. من المتضرر؟
توحيد فترة التداول .. من المتضرر؟
استقبلنا مع كثير من المتعاملين في سوق الأسهم السعودية خبر تغيير أوقات التداول وتوحيدها بجلسة واحدة تمتد من الساعة الحادية عشرة إلى الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر بارتياح كبير وذلك لأهمية هذا التعديل وأثره الكبير في المتعاملين وفي السوق المالية.
وقبل عرض مزايا و مساوئ أوقات التداول الحالية "على اعتبار أن الأوقات الجديدة سيتم تطبيقها بحسب القرار بدءا من 6 شوال 1427هـ" أود أن أعود إلى خلفية وأسباب اختيار هذا التوقيت للتداول في السوق السعودية والذي يعتبر فريداً من نوعه في العالم.
لقد جاء اختيار توقيت الفترتين في البدايات الأولى للتداول الإلكتروني متزامنا مع النشاط في سوق الأسهم في مطلع التسعينيات عندما كان أكثر من 90 في المائة من حجم التعاملات يتم عن طريق مكاتب الأسهم "الإحصائيات الرسمية لا تظهر هذه النسبة بسبب أن معظم التعاملات لا يتم تسجيلها لدى الشركات" وجاء قرار الفترتين بناء على ما تمت ملاحظته في حينها من أن أوقات نشاط السوق غير الرسمية تتم في المساء، وبالتالي فقد كان اختيار التوقيت تماشياً مع احتياجات المتعاملين في السوق حين ذاك وليس لضرورة فنية، هذا من جهة ومن جهة أخرى سعى المنظمون للسوق إلى تحفيز المتعاملين للاستغناء عن السوق غير الرسمية وإبعادهم من التعامل مع المكاتب غير المرخصة وتقديم السوق الرسمية من خلال البنوك وذلك بتقديم نظام تداول إلكتروني متطور يعمل في الأوقات نفسها التي اعتادوا عليها وهي الفترة المسائية، وكان لزاماً مع هذا الظرف المحلي مراعاة توافق السوق السعودية مع بقية الأسواق العالمية وهو ما يعني الإبقاء على الفترة الصباحية كما هو معمول به في أي سوق أخرى. وهكذا تم اعتماد نظام الفترتين، وتم تطبيقها على كل أشهر السنة بما فيها شهر رمضان المبارك.
وعلى الرغم من أن التداول أصبح مقتصراً على البنوك ولم تعد هناك مكاتب أسهم أو أي تداول خارج نظام التداول إلا أن أوقات التداول لم ينظر في تعديلها طوال هذه المدة.
وحسب رأيي فإن الأسواق المالية هي في الأساس لتداول الأوراق المالية يلتقي فيها المشترون والبائعون من أجل تداول الأوراق المالية المدرجة في هذه الأسواق وتنفيذ صفقاتهم حسب قراراتهم المدروسة التي اتخذت على أسس موضوعية لتكون استثمارات طويلة المدى، كما يلعب المضاربون دورا في الأسواق من خلال استغلال الفرص التي تظهر في السوق نتيجة تحرك المستثمرين باتجاه معين تنتج عنها فرص شرائية مربحة بعد بيعها عند توفر المشترين بالسعر المناسب محققا بذلك هامشا ربحيا قليلا ولكن سريع وبذلك الدور يوفر المضارب سيولة لهذه السوق، وهذا لا يتطلب أن يقوم جميع من له اهتمام بالسوق بلعب دور المضارب وبمتابعة مجريات السوق لحظة بلحظة ولا يعتبر دور المضاربين رئيسياً في الأسواق المالية وذلك لأن السوق في الأصل هي سوق للمستثمرين وليست سوقاً للمضاربين.
ولا أرى أن قاعات تداول الأسهم مكانا لإهدار الوقت أو مجالس لتبادل الشائعات إلى درجة أنها تحولت لبعض الأفراد أشبه بأن تكون أندية اجتماعية يقضون فيها أوقات فراغهم ويعبثون بادخاراتهم، خصوصاً أن التداول من خلال الإنترنت قد سهل على الجميع الوصول إلى السوق في أي وقت ومن أي مكان ولم يعد هناك أي مبرر للفترة المسائية.
لقد كانت الحاجة ماسة لتغيير أوقات التداول من فترتين إلى فترة واحدة، فإغلاق السوق في وقت متأخر من المساء يمتد إلى السادسة والنصف -و قبل ساعة واحدة من منتصف الليل في شهر رمضان- أمر له مضار كثيرة وجوانب سلبية كبيرة من أهمها:
انشغال المتعاملين والموظفين حتى ساعات متأخرة من الليل يؤخرهم عن أداء التزاماتهم الأسرية والاجتماعية طوال العام وخصوصاً في هذا الشهر المبارك.
وهناك مضار على النشاط التجاري حيث يقع التداول المسائي في ذروة أوقات النشاط التجاري مما يضر بالحركة التجارية.
كما أن امتداد فترة التوقف بيت الفترتين الصباحية والمسائية لأكثر من تسع ساعات تعتبر بحد ذاتها يوماً آخر.
تشجيع صغار المستثمرين على الدخول في المغامرات الاستثمارية من خلال خلق عادة التواجد في قاعات التداول في أوقات الفراغ والتأثر بما يحدث في السوق وجلب مزيد من ادخاراتهم للدخول في شركات المضاربة والمعروف من المستفيد منها.
من المؤكد أن تعديل أوقات التداول لن يكون محفزاً لصغار المستثمرين لقضاء أوقات فراغهم أمام شاشات التداول بل من المتوقع أن تقل متابعة السوق وهذا أمر محمود وعليه سيكون أكبر المتضررين هم من اعتاد على صغار المستثمرين في قاعات التداول مستعدين للمغامرات الاستثمارية ليقوم بتضليلهم وابتزاز ما لديهم من مدخرات.
وبهذه المناسبة أحيي هيئة السوق المالية على جرأتها في اتخاذ هذه المبادرة في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها سوق الأسهم آملين أن نرى المزيد من الإصلاحات في سوقنا المالية المزدهرة دائما إنشاء الله لتصبح سوقنا من أفضل الأسواق المالية عدالة وشفافية.