ديوان مراقبة عامة وليس ديوان مراقبة لاحقة (1 من 2)
<a href="mailto:[email protected]">fahedalajmi@saudi.net.sa</a>
لقد تمت مناقشة دور ديوان المراقبة العامة السعودي في أحد البرامج التلفزيونية العامة مع أحد منسوبيه وأكد على الملأ أن وظيفة الديوان هي المراقبة اللاحقة (الرقابة المستندية) ورفع التقارير إلى الجهات المعنية فقط ما يجعل وظيفة الديوان ناقصة ولا تحقق أهدافها إذا لم يتم قرنها بالمراقبة السابقة (المتابعة) حيث إنها جزء لا يتجزأ من برنامج المراقبة الشاملة التي لا بد أن تشمل جميع أنواع المراقبة التي سوف أتحدث عن تعريفها وأنواعها وأهدافها وأفضل الاستراتيجيات للحد من الفساد الإداري والمالي العام. إذا الرقابة هي وظيفة إدارية وعملية مستمرة متجددة يقصد منها التحقق من أن الإدارات العامة وما يتبعها تؤدي أعمالها طبقا للأهداف والمعايير التي تقيس درجة نجاح أدائها الفعلي ضمن تقويم مستمر يحدد نقاط الضعف أو التجاوزات ونقاط القوة من أجل تقديم التوصيات التي تحسن أداءها. إن الرقابة الإدارية هي وسيلة تستطيع من خلالها السلطات الإدارية معرفة كيفية سير العمل داخل الإدارة والتأكد من أن سير العمل يتناغم مع الأهداف المبرمجة من خلال كشف الأخطاء أو التقصير أو الانحراف ليتم إصلاحه ووضع الإجراءات الوقائية اللازمة للقضاء على مسبباته. وعلى ذلك فإن الرقابة الإدارية الفاعلة تتبع أسلوب التوجيه والإشراف والإصلاح أكثر من مجرد معرفة الأخطاء ومعاقبة مرتكبيها بل إنها تعمل على التحقق من الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمالية في حدود الموارد المتاحة وتحديد سلوك الأفراد الأفضل الذي يحقق أهداف الإدارة ويحافظ على أنظمتها وقوانينها.
فعندما نتحدث عن ديوان المراقبة فإنه من المفروض أن يكون ديوان مراقبة بمعناها الشامل, حيث إن الرقابة الشاملة تشمل الرقابة على الإجراءات, الرقابة على النتائج, الرقابة السابقة واللاحقة, الرقابة الداخلية والخارجية. على أن الرقابة على الإجراءات تتمحور في مقارنة مدى تقيد الإدارات الحكومية بتطبيق القواعد والضوابط والأنظمة المعتمدة في إجراءاتها وتصرفاتها لأنها تركز على تصرفات الأقسام الإدارية والعاملين فيها وليس على ما تحققه من نتائج من تلك التصرفات. أما الرقابة المبنية على النتائج فإنها تقيس وتقيم النتائج النهائية التي تحققها الإدارات العامة وفروعها وفقا لمعايير معينة, وهذا النوع يركز فقط على النتائج وليست التصرفات.وهذا ما يجعل الرقابة السابقة (الرقابة المانعة أو الوقائية) بالغة الأهمية حيث إنها تهدف إلى التأكد من التزام تلك الإدارات بنصوص القوانين والتعليمات في إصدار قراراتها وتنفيذ إجراءاتها خطوة بخطوة ما يؤدي إلى تحسين أدائها بكل فاعلية وبطريقة سليمة. بينما الرقابة اللاحقة (التعدية أو المستندية) وظيفتها تقويم التصرفات والقرارات والإجراءات في أقسام الإدارة العامة بعد حدوثها فعلاً, ما يجعلها ذات طابع تقويمي أو تصحيحي فقط لا غير وهذا النوع من الرقابة هو ما يمارسه ديوان المراقبة حسبما يدعونه ما يجعله غير ذي جدوى إدارية أو مالية, كما هو واضح عبر تاريخ إنشاء الديوان حيث مازالت التجاوزات الحكومية حسب تقرير تم تسريبه تتفشى بين إدارتها وتنتشر عدواها بين فروعها المنتشرة. أما الرقابة الداخلية (الذاتية) التي تمارسها كل إدارة بنفسها فإنها تعتمد على مدى قدرة تلك الإدارة على متابعه مهامها وإنجازاتها المحددة والمتوقعة ضمن الإطار التنظيمي لها على مختلف مستوياتها التنظيمية. فعندما يتم ربط الرقابة الداخلية بالرقابة الخارجية فإنها تصبح عملية رقابية متكاملة لأن الرقابة الخارجية تتم ممارستها بواسطة أجهزة مستقلة ومتخصصة من خارج الإدارة، ما يمنحها حرية العمل لبُعدها عن أي تدخل في أعمال الأجهزة التنفيذية أو محاولة التأثير في اتجاهاتها. لذا تهدف
الرقابة العامة إلى حماية المصالح العامة من خلال مراقبة النشاطات وسير العمل وفق خطط وبرامج ذات أهداف محددة لاكتشاف الانحرافات والمخالفات وتحديد المسؤوليات الإدارية, ما يمكن السلطات المسؤولة من التدخل الفوري واتخاذ الإجراءات الضرورية لتصحيح الأخطاء ومعاقبة المخالفين حتى يتم تحقيق الأهداف المتوقعة. لذا تركز عملية الرقابة وبكل دقة على اكتشاف مواقع الخلل والأسباب التي أدت إلى تلك الانحرافات وكيف تم استغلال هؤلاء المسؤولين سلطاتهم فيما يتنافى مع المصلحة العامة. هكذا تستند عناصر الرقابة إلى تحديد الأهداف ووضع المعايير, مقارنة النتائج الحقيقية مع المتوقعة, قياس الانحرافات والتعرف على أسبابها ثم تصحيحها واستمرار متابعة تنفيذها بما يتفق مع تلك المعايير.وهذا يعني أن مراجعة الأداء وقياس النتائج ومقارنتها بما هو مخطط لها والتحقق من بلوغ الأهداف شرط تنفيذي لاكتمال عناصر عملية الرقابة. ولكي تصبح عملية الرقابة مفهومة وسهلة التطبيق على أرض الواقع فإنه لا بد أن تتناسب قدرة النظام الرقابي مع حجم ونوعية النشاط الذي يراد مراقبته حتى تتحقق الأهداف عند مستوى من الفاعلية وحسن الأداء والكفاية وتقليص عدد المخالفات إلى أدنى مستوى ممكن لها. من ذلك تظهر أهمية تحديد المعايير والمقاييس الرقابية الفاعلة المرتبطة بقدرات العاملين بها وتوافر المهارات العلمية والخبرات الميدانية التي تمكنهم من تحقيق أهداف تلك الرقابة في إطار تحديد المسؤوليات والواجبات من أجل استمرارية الرقابة وتحقيق النتائج المرجوة.
إن الرقابة الشاملة تقوم بتقييم العمل الأساسي والتدبير الاقتصادي والقانوني ومردودية عمل كل فصل من الفصول في إطار المراقبة الإنجازية والتفتيش المالي والشؤون النظامية الأخرى. وإنه مهما تعددت وسائل الرقابة من الموازنة التقديرية, الإحصائيات والرسوم البيانية, السجلات, الملاحظة الشخصية, التقارير الإدارية فإن الأهم تحقيق النتائج التي تقضي على جذور الفساد الإداري والمالي.
وإذا ما أردنا أن تكلل عملية الرقابة بالنجاح والقبول لدى معظم الموظفين فإنه لا بد من أن تتميز الرقابة بالعدالة والشفافية حتى لا تكون ردة الفعل عليها سلبية إلى حد كبير. لذا ينبغي أن تطبق الرقابة بشكلها العام وتركز على جميع النقاط ذات الأهمية والحساسية في جميع الإدارات دون أي تفرقه بين تلك الإدارات متبنية مبدأ عدم التمييز والانتقائية التي يراد بها الإضرار قبل الإصلاح. هكذا تصبح الموازنة بين المسؤوليات والصلاحيات موضوعا حاسما في تحقيق أهداف الرقابة, لا سيما أن مبدأ الحيادية والاستقلالية يلعب دورا مهما في تقبل الغير لمثل تلك الرقابة الشاملة.على أساس أن الممارسة المتقدمة للرقابة الشاملة تجمع بين الرقابة على النظم المالية والإنجازات في التدقيق والتأكد من مدى صحة تقرير الميزانية النهائية وخطة الميزانية لنظام الدوائر المحلية ضمن الميزانية العامة للدولة، وكذلك التدقيق في التدابير الاقتصادية للدوائر المحلية والرقابة على واجباتها في مجالات التعليم العام وسياسة التشغيل ومراقبة التصرف واستخدام المصادر المالية. وسوف أكمل الحديث في الجزء الثاني عن الفساد الإداري والمالي وكيف يتعامل معه ديوان المراقبة.