الرضا الوظيفي والقيادة الفعالة
يعتبر الرضا الوظيفي أو المهني من الموضوعات التي ينبغي أن تظل موضعاً للبحث والدراسة بين فترة وأخرى عند القادة ومشرفي الإدارات والمهتمين بالتطوير الإداري في العمل ، وذلك لأسباب متعددة، فما يرضى عنه الفرد حالياً قد لا يُرضيه مستقبلاً ، وأيضا لتأثر رضا الفرد بالتغير في مراحل حياته فما لا يعد مرضيا حالياً قد يكون مرضيا في المستقبل .
ولا شك أن دراسة المدير للرضا الوظيفي عند موظفيه هي عملية تقويم شاملة تغطي جميع جوانب العمل وتتعرف الإدارة من خلالها على نفسها فتنكشف لها الإيجابيات والسلبيات والتي يمكن في ضوئها أن يتم التطوير ورسم السياسات المستقبلية للإدارة، وقد توصل المهتمون والباحثون في هذا الشأن إلى أن السلوك الإنساني داخل المؤسسسات يمثل اهتماماً مشتركاً بين علوم الإدارة من ناحية والعلوم الإنسانية من ناحية أخرى. وأصبح الحوار المتصل بين الطرفين أن التركيز على جانب واحد لا يكفي لفهم السلوك الإنساني ومعرفة مدى الرضا الوظيفي. وإذا كانت الدول المتقدمة قد اهتمت ولا تزال تهتم بالبحث عن الرضا الوظيفي، فيجب على الدول النامية أن تكون أكثر اهتماماً نظراً لتأثيره المباشر في تقدم المجتمع وتطوره.
والرضا الوظيفي ما هو إلا تجميع للظروف النفسية والفسيولوجية والبيئية ( بعلاقة الموظف بزملائه ورؤسائه وتتوافق مع شخصيته ) التي تجعله يقول بصدق أنــــا ســـــعيد بـــعملي.
فكيف يتم هذا ؟ وأين يتم ؟
إنه لمن المؤكد والمحسوم أيضاً أن معطيات الرضا الوظيفي هو الشعور بالسعادة ، فرضا الفرد عن وظيفته يؤدي إلى الكفاية الإنتاجية العالية ، فالفرد الراضي عن وظيفة أو مهنته يقبل عليها في همة ونشاط ويكون سعيداً بها مما يزيد من كفايته الإنتاجية ، أما عدم الرضا عن المهنه فينتج عنه سوء تكيف ، غير متوازن إنفعالياً ويظهر الكثير من مظاهر الضجر والملل والإستياء والإحباط ...
إن ميل الفرد إلى عمله أو إلى جانب معين فيه، له المردود الإيجابي على نفسه وعلى عمله. والرضا يتحقق عندما تتحقق توقعات الفرد نحو مايحصل عليه من العوائد المعنوية والمادية خاصة ، كما يُعبر الرضا عن حالة تكامل الفرد النفسية مع وظيفته ومدى استغلال العمل لقدراته وميوله وإثبات لشخصيته. أضف إلى أن وصول الفرد إلى مستوى الطموح الذي حدده يتحقق له من خلال عمله وهذا بدوره يؤدي لإشباع حاجاته الشخصية. ولا شك أن هناك عوامل مؤثرة في رضا الفرد عن وظيفته، بعضها يتعلق بذاتية الفرد نفسه وبعضها الآخر متعلق بالتنظيم الذي يعمل فيه الفرد وهي بيئة العمل التي يعيشها كنوع العمل ، وطبيعة وظيفته أو مهنته كعمل روتيني أو متنوع ، إبتكاري أم عادي.
ولا تخفى لدينا أهمية المكانة الاجتماعية والاقتصادية للوظيفة SOCIO ECONMIC LEVEL كمحدد مهم للرضا الوظيفي، وهذا يرجع إلى ثقافة المجتمع وتقديره للعمل، وتتأثر مكانته بتقديره لذاته وتنشئته الأسرية وأسلوب الحياة. ومن المحددات الرئيسية أيضاً التي تحتل الصدارة للرضا الوظيفي نمط الإشراف أو نوع القيادة المتخذة في العمل ، فقد أكد علماء الإدارة والعلوم الإنسانية أن هناك علاقة قوية بين النمط السائد للقيادة أو الإشراف ( ديمقراطي – ديكتاتوري – فوضوي ) والرضا الوظيفي عند الفرد وهذه العلاقة علاقة طردية قوية ، ولا تقف عند العوامل البيئية المؤثرة في رضا الفرد عن وظيفته فقط، لكن هناك عوامل خاصة بالفرد يتأثر بها وتؤثر في عمله كالإنجاز ACHIEVEMENT فالإنسان لا يقف عند نقطة معينة في حياته فلديه أهداف ( إنجازات ) يتمنى تحقيقها ويتوقع تحقيقها وهذه تمثل اتجاها لسلوكه وهذه الأهداف والإنجازات بناءً على تقديره لذاته وتقدير الآخرين له وقد يحاول الوصول إليها، وكلما وصل إلى مستوى شعر بارتياح ورضا ثم يضع أهدافاً ومستويات طموح جديدة وكلما حققها شعر برضا وهذا يدفعه لعمل أكثر وزيادة رضا ، ولا نغفل ما يحققه الترقي والتقدم الوظيفي OPPORTANITU FOR ADVANCEMENT وما يحتل من أهمية كبرى لدى الموظف ورضاه بوظيفته ، بالإضافة إلى الراتب والحوافز المادية وهذان العاملان الأخيران لا شك أنهما مساهمان بدرجة كبيرة في منع مشاعر الاستياء والإحباط الوظيفي لدى الفرد ، كما أن الاستقرار في العمل والحاجة للأمن فيه من المصادر القوية لتحديد الرضا الوظيفي خاصة كلما إرتفع المستوى الوظيفي للفرد كان أكثر استقرارا وعطاءً ورضا عن العمل. يقول روجرز العالم النفسي في نظريته ( الذات ) إن الأشخاص الذين ينتقلون إلى عمل جديد غالباً ما تتغير شخصياتهم للأسوأ وهذا يحدث على الأقل في البداية ولا يعتبر هذا غريباً إذا نظرنا إليه حسب معطيات نظريته ( الذات ) فالعمل الذي يرتبط به الموظف لمدة طويلة له مردود عليه ممتاز نفسياً ، وقد يفي بكل متطلباته ويشبع حاجاته وقد يكون لديه ألفة للعمل ، بينما الموظف الجديد لم يتعود بعد على مهام العمل وقد يرتكب أخطاء قد تؤدي إلى الضرر بتقديره لذاته سلباً وقد تنمو لديه مشاعر عدم الثقة بالذات ، والمدير المشرف سيقومه وظيفياً من خلال كفاءته الإنتاجية ، وهنا دور نمط القيادة الفعال مع موظفيها قدامى / مستجدين.
إن القائد الإداري الحصيف يدرك تماماً أن الموظف هو حجر الزاوية لدى المؤسسة لكونه الأداة الفاعله التي تؤدي بالمؤسسة للاضطلاع بمسؤولياتها وخدمة المجتمع والوطن والنهوض به للتقدم والرقي.
ولكن كيف يُسهم هذا المدير في رفع الكفاءة الإنتاجية لأعلى درجة ويؤثر في مرؤسيه بكل الود والحزم معاً ويحقق الرضا الوظيفي لديهم ... وعند أي نمط من القيادة ؟ وكيف يتم ؟
لا شك أن نمط القيادة الديمقراطية من المؤشرات الإيجابية الفاعلة في إدارة المؤسسات ويحقق الرضا الوظيفي للموظف وهذه القيادة لها مواصفاتها التي ترجع لعوامل عدة منها ما تتسم به شخصيته والبعض يكتسب مهاراتها ليحقق أهداف إدارته. والمدير الديمقراطي يضطلع بدور كبير في خلق روح التعاون بين الموظفين والعاملين في إدارته أو مؤسسته ويجعلهم كالفريق الواحد ليتولد لديهم الشعور بالانتماء لتحقيق الأهداف ومن ثم ينعكس على تحقيقهم أهدافهم الخاصة، كما أن إبراز الجانب الإنساني، لديه بمشاركته موظفيه في مناسباتهم المختلفة وشعورهم بأن علاقتهم معه ليست متوقفه على حدود العمل الرسمي لا شك أنها تساعد في إيجاد القبول لديهم ليؤثر فيهم وهذا هدف من أهداف القيادة الفاعلة ... فاهتمامه بمشكلاتهم واحتياجاتهم له الدور الكبير في تحقيق الرضا الوظيفي للفرد ، كما يرى في مشاركة الموظف في إتخاذ القرارات بإبداء آرائه وملاحظاته ومشورته له دورا فاعلا في تحقيق أهداف العمل وينمي شعور الموظف لتحقيق ذاته ويشبع حاجاته الاجتماعية ومكانته في المجتمع والتي يعتبرها ماسلوMASSLO عاملا مهما للرضا الوظيفي .
إن المشرف الإداري الديمقراطي الذي يقوم بالتنظيم والتنسيق لجهود مرؤوسيه وموظفيه سيؤدي حتماً لتوحد العمل وعدم الإزدواجية، كما أن توزيع المسؤولية ومنح الموظف السلطة المتكافئة مع قدراته وإمكاناته وإعطاءه قدرا من الحرية لتنفيذ العمل بالطريقة التي يرغب بها دون تأثير سالب في الآخرين ، بالإضافة إلى اعتقاده بوجود الفروق الفردية بين الأفراد وأهمية القدرات والاستعدادات والميول لدى الموظفين ليؤدي إلى التكيف في العمل وشعورهم بالأهمية الذاتية فيتحقق الرضا الوظيفي لدى الموظف .
ولا يغفل المدير الفاعل أن مشاركة الموظف في التخطيط لتحقيق أهداف الإدارة بإتاحة الفرصة للابتكار والإبداع وإيجاد التنافس الشريف بين الموظفين تُكسبهم الاحترام والتقدير المؤدي للرضا الوظيفي لديهم .
إن القيادة الديمقراطية المفوضة السلطة للموظف لتنفيذ عمله بمرونه وبطريقة سريعة بعيدة عن تعقيدات الروتين (دون إلحاق ضرر) بحيث تكون مناسبة لقدراته وطموحاته لتساعده على التجديد والابتكار وبالتالي إلى الشعور بالرضا لما يقوم به من مهام ، إن هذا النمط الإداري لا يعترف بحرفية الأنظمة والتعليمات ويعترف بالمرونة وليس التساهل والانفلات في العمل – لهي مؤدية إلى إخراج طاقات الموظفين وإبراز ما لديهم من استعدادات وتشبع كل ابتكار وتجديد ومحسنة للكفاءة الإنتاجية في العمل وهذا بدوره رضا. كما أن العدالة في المدير والقائد الإداري مطلوبة أيضاَ في توزيع الدورات والتطوير الذاتي من قبل المؤسسة لموظفيها بتنظيم وتنسيق دون محسوبية بحيث لا يخل بإنتاجية العمل ليؤدي بالطبع لإكسابهم المهارات الفنية والعلمية والعملية والسلوكية للارتقاء بالموظف في تعاملاته بمراجعيه وزملائه ومديريه وسائر حياته وهو بلا شك مؤد للرضا الوظيفي.
دكتور/ محمود بن محمد البديوي
كبير أخصائيي التدريب والتنمية
الخطوط الجوية العربية السعودية