هل جزاء الإحسان إلا الإحسان

هل جزاء الإحسان إلا الإحسان

<a href="mailto:[email protected]">kjalabi@hotmail.com</a>

خدم وزير سيده السلطان مدة 30 عاماً، واشتهر بين الرعية بالأمانة والاستقامة وخوف الله. ولكن استقامته وعدله جلبا عليه الكثير من العداوات. وبدأ الحساد في إشاعة الأقوال السيئة عنه، بقدر شهرته في البلاط السلطاني.
قالوا عنه إنه منافق عليم اللسان، وإنه كذاب أشر بوجهين، وإنه شخصية مزورة يضحك على الناس بمعسول من الكلام.
وكما يحكي ابن المقفع عن تغير القلوب بطول الوشاية، أنه يوماً بعد يوم بدأ قلب السلطان في التغير عليه بعد طول العشرة.
ويبدو أن الكلام الخائن يترك أثره، مع كثرة التكرار، كما يفعل الماء في الصخر. فمع كل ليونة الماء وقسوة الحجر؛ فإن المرور المتكرر يترك أثره ولو بعد حين، وهذا ما حصل مع الوزير المسكين؛ ففي يوم نحس انقلبت عليه الأيام ودارت دورتها، وإذا بجند السلطان يقتحمون البيت ويلقون القبض عليه.
لم يصدق الوزير ما رأى، وظن أن خطأ قد حصل. ولكنه جرجر إلى القصر وصدر الأمر بإعدامه. وكان المألوف أن يلقى إلى الكلاب تفترسه. وقبل التنفيذ سألوه إن كان له رجاء أخير لتحقيقه؟ فطلب أن يؤجلوا الحكم عليه مدة عشرة أيام لا تزيد، قبل أن يودع هذه الحياة الفانية المليئة بالغدر والنفاق والحسد.
قال: أعطوني مهلة عشرة أيام، أوفي ديوني، وأرجع الأمانات إلى الناس، كما أفرق أموالي بين أولادي، وأترك عليهم وصياً يحفظهم بعد غيبتي. وصل الكلام إلى السلطان فقال: امنحوه فرصة عشرة أيام يقضي حوائجه، ولكن انتبهوا أن يكون في الأمر مكيدة؟
ذهب الوزير المنكوب إلى بيته؛ فأخرج صرة من الذهب الخالص، ثم مضى إلى مدرب الكلاب السلطانية، وكان يعرفه فدفع إليه الذهب، وقال قد رجوتك فلا تخيب ظني؛ فادفع لي الكلاب التي عندك لمدة عشرة أيام أغذيها وأطعمها، ولا تخف علي من شراستها؟
قال إنها لا تعرف غيري؟ قال لا بأس عليك، وأنا المذنب إن حصل لي شيء. وبعد تردد أعطاه ما أراد، وأوصاه بالانتباه من عضاضهم.
تقول الرواية إن هذا الوزير اجتهد طوال هذه الأيام العشرة في معاشرة هذه الوحوش؛ فبدأ يطعمها ويعودها على يديه، حتى كانت بعد مرور أسبوع أطوع إليه من بنانه، وبدأت تلحس وجهه بعطف، وتهز ذيلها إن رأته، وتأكل من كف يده وتلعق أصابعه.
وفي اليوم العاشر سلم نفسه لجند السلطان، وكتب وصيته واستعد للموت. وفي اليوم الحادي عشر، وفي محفل عظيم، أحضر الوزير تعيس الحظ إلى الساحة السلطانية، وفي حضرته تم تربيطه بالحبال، ثم أطلقت الوحوش عليه، ولكن شيئاً مثيرا حدث؛ فهذه الكلاب المدربة انطلقت بكل شراسة وهي تزمجر، فلما اقتربت من صاحبنا الوزير وشمت رائحته، هزت ذيلها وتضاءل نباحها، واقتربت منه بعواء خاص، في استقبال الأصحاب، ثم بدأت تلعق يديه ووجهه بدل افتراسه.
زلزل السلطان من المنظر ومن كان معه. فقال قربوه إلي ثم سأله: كيف حصل هذا؟ وكيف نجوت من العذاب المهين؟
أجاب الوزير: لقد أطعمت هذه الكلاب عشرة أيام متوالية، وانظر إلى النتيجة، أما أنا الذي خدمتك 30 سنة؛ فانظر إلى أي مصير انتهيت، بسبب شكاوى قدمها الحساد إليكم ولم تدرسوها تمحيصا وتغربلوا صدقها من كذبها؟
فكر السلطان في الجواب، ثم أطلق سراحه، وعفا عنه، وأعاده إلى ما كان عليه، وسلمه خصومه يفعل بهم ما يشاء.
ولكن الوزير الشهم، أطلقهم، وكسب ودهم حتى مماته.
وهكذا تكسب القلوب بالإحسان إليها وليس بالقتل، وإلا كان الأشرار والأخيار، والمحسنون والمسيئون سواء محياهم ومماتهم.
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

الأكثر قراءة