حلقات في مكارم الأخلاق (31)

حلقات في مكارم الأخلاق (31)

كما يذكر القراء الكرام أننا أكملنا الحديث عن مكرمة "المحبة" في الحلقة السابقة وأشرنا إلى ما ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وما قاله السلف الصالح عن المحبة وأهميتها وفضلها، كما أشرنا إلى فوائد المحبة وانتهينا من الحديث عن مكرمة المحبة، وأشرنا إلى أن عالمنا هذا اليوم يفتقر إلى المحبة الصادقة المبنية على مكارم الأخلاق وتسوده الأطماع والمصالح والكبرياء وغطرسة القوة، وخاصة ضد الضعفاء، لذلك استشرت الكراهية وغابت المحبة إلا من رحم ربي، وفي الحوار مع القراء أشرنا إلى أننا ننتهز قدوم شهر رمضان المبارك لنتحدث عن أهم مكارم الأخلاق الرئيسة التي تنمو وتزدهر في رمضان المبارك نتيجة لكثرة الصلوات وتلاوة القرآن الكريم وإعطاء الصدقات وخاصة الزكاة وتسامح الناس والكرم والعطاء وضبط النفس والطاعة لله تعالى والانضباط في مواعيد الإفطار والإمساك، ونتيجة لتلك الأجواء الروحانية وما وضع الله في هذا الشهر الفضيل من رحمة ومغفرة وعتق من النار وتكبيل مردة الشياطين – نتيجة لكل ذلك وبتوفيق الله – تزداد وتنمو في المسلم في رمضان هذه المكارم العظيمة "الصبر"، "الإيمان"، "الكرم والعطاء"، "الطاعة والانضباط"، و"التسامح"، وخاصة إذا ركّز المسلم وأحسن العبادة وخشع لله تعالى وتدبر القرآن الكريم، وتحاشى كل ما يخدش ويجرح صيامه، وحرص على حضور جميع الصلوات وأخذ قسطا من الراحة والنوم في الليل والعمل والإنتاج في أوقات العمل في النهار، وتحاشى كل ما يشغل الناس هذه الأيام من المسلسلات والفضائيات التي لا تليق بشرف وعظمة رمضان وأقبل على البرامج المناسبة التي تزيد من وعيه وثقافته الإسلامية وتجنب السهر وضياع الوقت فيما لا فائدة منه أو فيما يفسد الأخلاق ولا ينميها ويقويها، واكتفى من الطعام بالمعقول الذي لا يصل للشبع والتخمة، وحرص على ما يجب أن يقوله وما يجب أن يجتنبه من الأفعال والأقوال إذا فعل ذلك فبعون الله تعالى سيزداد وينمو مستوى مكارم الأخلاق لديه، وخاصة المكارم الخمس التي أتينا عليها أعلاه، والآن نبدأ على بركة الله تعالى الحديث عن:

الصبر
لا جرم أن الصبر من أخلاق الأنبياء والسلف الصالح وشيم الرجال، وقد ورد ذكر الصبر كثيرا في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية الشريفة، وفي أقوال الصحابة والسلف الصالح، وقد ورد في كتاب "أخلاقنا" للدكتور محمد ربيع جوهري أن معنى الصبر ما يلي: الصبر في اللغة حبس النفس عن الجزع والتصبر هو تكلف الصبر، والصبِر – بكسر الباء – الداء المر، وهو عصارة شجر المر وأصبره: أمره بالصبر وشهر الصبر: شهر الصوم، وقيل: أصل الكلمة من الشدة والقوة ومنه الصِبر للدواء المعروف بشدة مرارته، وقد ورد في المصدر نفسه أن العلماء ذكروا تعريفات كثيرة للصبر فنذكر أهمها:
1 – تجرع المرارة من غير تعبس، 2 – الوقوف مع البلاء بحسن الأدب، 3 – الثبات على أحكام الكتاب والسنة، 4 – ترك الشكوى، ويعرف الغزالي – يرحمه الله – الصبر بأنه "عبارة عن ثبات باعث الدين في مقاومة الهوى، وقد ارتاح الدكتور محمد الجوهري من دقة هذا التعريف لأن باعث الهوى قد يدفع الإنسان إلى التكاسل عن أداء الطاعات أو إلى فعل المنهيات أو إلى الضجر والجزع عند الابتلاء، فيقاومه باعث الدين، وقد ورد في موسوعة "نضرة النعيم" إلى أن الصبر في اللغة من مصدر (صَبَرَ ويَصبرُ وهو مأخوذ من مادة (ص ب ر) التي تدل على معان ثلاثة: الأول الحبس والثاني أعالي الشيء، والثالث جنس من الحجارة، وقد اشتق الصبر المراد هنا من المعنى الأولى (الحبْسُ)، وقال تعالى عز من قائل " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ". سورة الكهف (28) أي احبس نفسك معهم.

الصبر الجميل
ومن أجمل مراتب الصبر هو الصبر الجميل، فقد قال الله تعالى في الصبر الجميل على لسان يعقوب عليه السلام "فصَبْرٌ جَميل" سورة يوسف (18)، والمراد بالصبر الجميل: الذي لا جزع فيه ولا شكوى وقال ابن جريج عن مجاهد إن المعنى: لا أشكو ذلك لأحد، وقال مجاهد أيضا: الصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه، وقال أبو حيان: المعنى: أتجمل لكم في صبري فلا أعاشركم على كآبة الوجه وعبوس الجبين، بل على ما كنت عليه معكم من قبل، وقال ابن تيمية يرحمه الله: الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه ولا منة.

من معاني الصبر
جاء في الموسوعة المشار إليها أن الفيروز أبادي قال" وربما خولف بين أسمائه "يقصد الصبر" بحسب اختلاف مواقعه، وإليكم المعاني المختلفة للصبر:
1 – إن كان حبس النفس لمصيبة سُمي صبرا، 2 – إن كان في محاربة سمي شجاعة، 3 – إن كان في إمساك الكلام سمي كتمانا، 4 – إن كان عن فضول العيش سمي زُهدا، 5 – وإن كان عن شهوة الفرج سُمي عِفة، 6 – وإن كان عن شهوة طعام سُمي شرف نفس، 7 – إن كان ضبط النفس وكبح زمام الغضب سمي حِلْما، وقال ابن القيم: والاسم الجامع لذلك كله "الصبر"، وهذا يدلك على ارتباط مقامات الدين كلها بالصبر، والواقع أن الصبر عظيم الشأن لذلك ربط الله نفسه عز وجل شأنه بالصابرين، حيث قال تعالى إنه مع الصابرين، فمن يكون الله معه فلا خوف عليه، كما أن من أسماء الله الحسنى (الصبور)، وهو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام ومعناه قريب من صفة الحليم، والفرق فيهما أن المذنب لا يأمن العقوبة من صفة الصبور، كما يأمنها في صفة الحليم، وقال أبو إسحاق: الصبور في صفة الله – عز وجل – الحليم، كما أن من معاني الصبر الجميلة اصطلاحا ما قاله الراغب: الصبر هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع أو عما يقتضيان حبسهما عنه، وقال الجاحظ" الصبر عند الشدائد خلق مركب من الوقار والشجاعة، وقال المناوي: الصبر: قوة مقاومة أهوال والآلام الحسية والعقلية، وقيل: هو حبس النفس عن الجزع والتسخط وحبس اللسان عن الشكوى وحبس الجوارح عن التشويش، وقيل هو ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله إلا إلى الله، لأن الله تعالى أثنى على أيوب عليه السلام بالصبر بقوله تعالى: "إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا" سورة ص (44) مع دعائه عليه السلام في دفع الضر عنه بقوله تعالى: " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" سورة الأنبياء (83)، ومعنى ذلك أن العبد إذا دعا الله تعالى في كشف الضر عنه لا يقدح في صبره، والمثل الشعبي المعروف الذي يقول: "الشكوى لغير الله مذلة"، وكل ذلك يؤكد أن الشكوى إليه تعالى دائمة وغير مذمومة ولا تتنافى مع فضل ومبدأ الصبر، كما قيل إن الصبر من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها، كما قيل إن الصبر هو: الثبات مع الله وتلقي بلائه بالرحب والسعة".

مراتب الصبر
ورد أيضا في موسوعة "نضرة النعيم" أن الفيروز أبادي قال إن مراتب الصبر خمس: صابر، مصطبر، متصبر، صبور، وصبّار، فالصابر أعمها، والمصطبر: المكتسب للصبر المبتلى به، والمتصبر يعني أنه متكلف الصبر وحامل نفسه عليه، والصبور: العظيم الصبر الذي صبره أشد من صبر غيره، والصبّار: الشديد الصبر، والصبّار يفوق الأربعة الأولى في القدر والكم، أما الأربعة الأولى في الوصف والكيف.

أنواع الصبر
قال أبو عمر: سألت الحليمي عن الصبر قال: ثلاثة أنواع، الأول: الصبر على طاعة الجبار، والثاني: الصبر عن معاصي الجبار، والثالث: الصبر على الصبر على طاعته وترك معصيته، وقال ابن القيم: الصبر باعتبار متعلقه ثلاثة أقسام، الأول: صبر الأوامر والطاعات حتى يؤديها، والثاني: صبر المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها، ثالثا: صبر على الأقدار والأقضية حتى لا يتسخطها، وقال الفيروز أبادي: الصبر على ثلاثة أنواع، الأول: صبر بالله، الثاني: صبر مع الله، الثالث: صبر لله.

أهمية الصبر
قال ابن القيم، يرحمه الله: ذكر الله عز وجل الصبر في كتابه في أكثر من 90 موضعا وقرنه بالصلاة في قوله تعالى: " وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ" سورة البقرة (45)، وجعل الإمامة في الدين مورثة عن الصبر واليقين بقوله تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ"، سورة السجدة (24)، وهكذا نجد أن الدين كله علم بالحق وعمل به، والعمل لا بد فيه من الصبر، بل وطلب علمه يحتاج إلى الصبر، كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: عليكم بالعلم فإن طلبه لله عبادة ومعرفته خشية والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، ومذاكرته تسبيح، به يعرف الله ويعبد، وبه يمجد الله ويوحد، يرفع الله بالعلم أقواما يجعلهم للناس قادة وأئمة يهتدون بهم وينتمون إليهم، فجعل البحث عن العلم من الجهاد ولا بد في الجهاد من الصبر، لذلك استثنى الله تعالى في سورة العصر المؤمنين الذين يعملون الصالحات والمتواصين بالحق والمتواصين بالصبر" فقال تعالى "وأقسم بالدهر كله دلالة على أهمية ما يأتي بعد القسم (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، ولذلك تجد الصبر مطلوبا في العلم والتعلم، وفي العمل، وفي كل الأعمال الصالحة وبدونه تتوقف المسيرة وتتعطل الأمور ولا تتحقق الأهداف ولا نصل للغايات السامية، وقد قال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: "ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا انقطع الرأس بان الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا لا إيمان لمن لا صبر له".

معنى المصابرة وفضلها
المصابرة مفاعلة – من الصبر ويكثر استعمال هذه الصيغة في أحد أمرين، المشاركة في الأمر كما في نحو قاتل فلان فلانا، أي أنهما اشتركا معا في القتال، والآخر: الموالاة والمتابعة في الأمر كما في قول الله تعالى: "وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ"، الأعراف (21)، أي والى في القسم، وعلى ذلك فإن المصابرة تعني:
أولا، المشاركة في الصبر كأن يصبر الإنسان عن المعاصي ويصبر الشيطان – لعنه الله – على الإغواء وحينئذ – تكون الغلبة لأكثرهما صبرا، ثانيا، موالاة الصبر ومتابعته سواء كان صبرا عن المعاصي أو صبرا على الطاعات، وكما أن الله تعالى أمرنا بالصبر فقد أمرنا أيضا بتعزيزه بالمصابرة في قوله عز وجل " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" سورة آل عمران (200)، ومعنى المصابرة التي أمرنا بها – ما قاله ابن القيم، يرحمه الله، إجابة عن معنى المصابرة "قيل في قوله تعالى "اصبروا وصابروا..." الآية، إنه انتقال من الأدنى إلى الأعلى، فالصبر دون المصابرة، وقيل: اصبروا بنفوسكم على طاعة الله وصابروا بقلوبكم على البلوى في الله، وقيل: اصبروا في الله، وصابروا بالله "أي أن الصبر يكون في طاعة الله والمصابرة تكون في الاستعانة بالله"، وقيل اصبروا على النعماء، وصابروا على البأساء والضراء، وقال، يرحمه الله، فالصبر مع نفسك والمصابرة بينك وبين عدوك، وقال، يرحمه الله، في تفسير الآية الكريمة المذكورة، مؤكدا هذا المعنى الأخير: أمركم بالصبر، وهو حال الصابر في نفسه، والمصابرة مقاومة الخصم في ميدان الصبر، فإنها مفاعلة تستدعي وقوعها بين اثنين مثل المشاتمة والمضاربة، وهو إذن حال المؤمن في الصبر مع خصمه، أما المرابطة فهي الثبات واللزوم والإقامة على الصبر والمصابرة، فقد يصبر العبد ولا يصابر، وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبد بالتقوى، فأخبر سبحانه وتعالى أن ملاك ذلك كله: التقوى وأن الفلاح موقوف عليها، فقال: "وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، وما ذكره ابن القيم هو ما رجحه الطبري عندما شرح فيما معناه أن الصبر مطلوب على جميع معاني طاعة الله فيما أمر ونهى صعبها وشديدها وسهلها وخفيفها، أما المصابرة فيقصد بها مصابرة الأعداء من المشركين، لأن المعروف من كلام العرب في المفاعلة أن تكون من فريقين أو اثنين فأكثر ولا تكون من واحد إلا قليلا، وإذا كان ذلك كذلك فإنما أمر المؤمنون أن يصابروا غيرهم من أعدائهم وألا يكون عدوهم أصبر منهم، وقال النيسابوري: المراد بالصبر جهاد النفس بالرياضات وبالمصابرة: مراقبة القلب عند الابتلاءات، وقال القرطبي، يرحمه الله، المصابرة: مصابرة الأعداء، وقيل في المصابرة أيضا: إدامة مخالفة النفس عن شهواتها، فهي تدعو وهي تنزع، وقال عطاء والقرظي (محمد بن كعب): صابروا الوعد الذي وعدتم، أي لا تيأسوا وانتظروا الفرج، وقد قال عنترة بن شداد:
فلم أر حياً صابروا مثل صبرنا ** ولا كافحوا مثل الذين نكافح
والمعنى أنهم صابروا العدو في الحرب باستمرار الصراع والمقاومة والإقدام والثبات حتى انتصروا ولم ينهزموا ولم يظهر منهم جبن أو خور، وقال ابن كثير، يرحمه الله: إن الصبر على الصلوات، أما المصابرة على النفس والهوى.
من مظاهر المصابرة
مما يتضح فيما ذكر أعلاه أن هناك صورا متنوعة من المصابرة وتتركز المصابرة في المفاعلة والصراع بين اثنين أو أكثر وإشراك القلب والنفس في الصراع حتى يتحقق الهدف من المصابرة بعونه تعالى، وهناك مظاهر أخرى للمصابرة نورد صورتين منها، إضافة إلى ما سبق ليكون الأمر واضحا وجليا، والصورتان هما، الأولى: المثابرة في إنجاز الأعمال والمواظبة عليها طالما أنها عمل في طاعة الله تعالى، وفي هذا يلتقي معنى الاصطبار مع المصابرة، قال تعالى " فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ" سورة مريم (65)، وقال تعالى: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا" سورة طه (132)، الثانية: متابعة الأعمال وعدم اليأس من إنجازها لما في هذا من إدامة للصبر عليها وانتظار الفرج الموعود في قوله تعالى: "إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً" سورة الكهف (30)، وفي الحلقة القادمة بعونه تعالى سنكمل ما تبقى من مكرمة الصبر الذي يتجلى في رمضان المبارك مع كثير من مكارم الأخلاق.. فإلى اللقاء.

عضو هيئة حقوق الإنسان
[email protected]
فاكس: 014708199

الأكثر قراءة