الحشاشون وصلاح الدين الأيوبي

الحشاشون وصلاح الدين الأيوبي

<a href="mailto:[email protected]">kjalabi@hotmail.com</a>

في ليلة الأحد 11 ذي القعدة 571 هـ 1176 م كان القائد صلاح الدين الأيوبي على موعد مع رسل الموت من الحشاشين، فبينما كان في خيمة الأمير الكردي (جاولي الأسدي) قائد أركانه، وهما يستعرضان الخرائط الحربية ضد الصليبيين، اقتحم الخيمة شاب مفتول العضلات، وكأنه مارج من جان، لخفة حركته، وسرعة قفزاته، فكأنه الظبي في الغابة، يلتمع في يمناه خنجر، هوى به على رأس صلاح الدين، ولكن صلاح الدين كان محظوظا؛ فقد صدم النصل المسموم الزردية من الحديد التي تغطي رأسه، فأدرك المجرم أنه أخطأ هدفه، فقام بتوجيه طعنة إلى الخد، فجرحه؛ أثناء هذا انتبه الضباط الأكراد المحيطون بصلاح الدين للمكيدة فسارعوا إلى الجاني فقتلوه.
وخلال لحظات، كان ثلاثة من الشبان يتدافعون إلى الخباء، بنفس الطريقة من التدريب المتقن على القتل المنظم، فقتلوا العديد من الجنود والضباط، قبل أن يقعوا صرعى في محاولة الاغتيال المدبرة، بغاية الدهاء والجرأة.
وينطق التاريخ مرة أخرى عن دور الصدف في صناعة التاريخ، فلو مات صلاح الدين في تلك المحاولة، لما تم تحرير القدس، ولم تكن لتقع معركة حطين عام 1187م .
ولو مات بريجينيف الزعيم الروسي قبل عام 1980 م، وكان شيخاً مدنفاً، لما تم اجتياح أفغانستان، ولما انخرط الشباب الإسلامي في مقاومة الروس في حرب أمريكية، وهم يظنون أنهم يقاتلون في سبيل الله، ولما تحولت أفغانستان إلى بؤرة لتصدير العنف لكل العالم، ولما ولدت أسطورة بن لادن. ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
جرت محاولة اغتيال صلاح الدين الأيوبي في إعزاز القريبة من حلب، وكان حاكم المدينة (كمشتكين) يتصل آنذاك بريموند الثالث حاكم طرابلس الصليبي، وشيخ الجبل (سنان راشد الدين)، للتخلص من صلاح الدين الأيوبي.
ولم تكن هذه المحاولة الأولى من نوعها التي يتعرض لها صلاح الدين فقد ذكر (قدري قلعجي)، واقعة ثانية شكك فيها (حسن الأكرمي) عندما استطاع الفدائي، التمكن من الدخول إلى مخدع صلاح الدين في القاهرة، وترك قرب وسادته خنجراً مسلولاً مغموساً بالدم مع الكلمات التالية:
"اعلم أيها السلطان المغتصب، إنك وإن أقفلت الأبواب ووضعت الحرس، لا تستطيع أن تنجو من انتقام الإسماعيلية. أراك قد بلغت الوقاحة واستبديت دون أن تحسب حساباً لشيخ الجبل الإسماعيلي، الذي يقف لك بالمرصاد، ولو أردنا قتلك الليلة لفعلنا ولكن عفونا عنك لعلك تقدًر ذلك، وإننا ننذرك لتصلح من سيرتك، وتعيد الحق المغتصب إلى ذويه، ولا تحاول أن تعرف من أنا، فذلك صعب عليك، وبعيد عنك، بعد السماء عن الأرض، إذ قد أكون أخاك أو خادمك أو حارسك أو زوجك وأنت لا تدري .. والسلام".
والكلام الذي جاء في الرسالة يجب فهمه ضمن البانوراما التاريخية، فأن يعيد صلاح الدين الحق إلى ذويه يعني إعادة الخلافة الفاطمية التي أنهاها في مصر بعد حكم دام قرنين من الزمن، ليعيدها إلى خليفة العباسي لا يزيد عن ظل شبح زائل وسلطان يذوب بأسرع من الآيس كريم في صيف لاهب من الأحداث.

الأكثر قراءة