قورش العظيم لم يكن دوماً عظيما؟
<a href="mailto:[email protected]">kjalabi@hotmail.com</a>
في عام 559 قبل الميلاد قفز شاب إلى مسرح الأحداث، يدعى (قورش Cyrus) جمع القبائل الفارسية المبعثرة، وزحف بها إلى (ميديا) فامتلكها، وهزم ملكها (آستياجس)، وتوج نفسه على ميديا وفارس، وشرع في تكوين (الإمبراطورية الفارسية)، ثم دحر (كروسيوس) حاكم (ليديا) غربي آسيا الصغرى، ثم اتبع سببا فبلغ مغرب الشمس، عند الجزر الأيونية، غرب اليونان فامتلكها.
ثم اتبع سببا، فوضع يده على كنوز بابل، وحرر سبي بابل من اليهود، فأعادهم إلى بلادهم. وتوالت انتصاراته خلال ثلاثين سنة، وراح يلقب بقورش الأكبر ملك العالم.
ثم اتبع سببا عام 529 ق. م حتى إذا بلغ مطلع الشمس، وجدها تطلع على قوم من قبائل (الماسا جيتاي) الهمجية المحاربة، لم نجعل لهم من دونها سترا.
وكانوا على بحر قزوين، فأراد وضع يده على بلادهم، وبعد ثلاثين سنة، من حكم عادل، وملك واسع، ارتكب حماقة كبيرة، فعبر نهر (آراكسيس) إليهم؛ فأرسلت له ملكتهم (توميريس)، أنه ليس عندنا ثروة بابل، فتطمع بها، وأرضنا جبلية فقيرة، وشعبنا محارب عنيد فضحك منها.
وفي خدعة حربية وقع الشاب (سبار جابيزيس) ابن الملكة أسيراً في يده، فأرسلت له توميريس تستعطفه، أن يطلق لها ابنها، ويكتفي بثلث مملكة الماسا جيتاي فأبى. فهو اعتاد أن يأخذ كل شيء غير منقوص، ولن يعود دون أن يظفر بمملكتهم كاملة؟
ثم أن ابن الملكة لم يطق الإذلال والأسر فقتل نفسه، فغرقت الملكة في الأحزان، وأرسلت له تقول:" إنني أقسم بإله الشمس سيدنا، أن أعطيك دماً أكثر مما تستطيع شربه، رغم كل شراهتك".
وفي غمرة غضبهم، مزقوا الجيش الفارسي شر ممزق، وقتلوا قورش نفسه.
ويعقب (روبرت جرين) في كتابه (القوة) بقوله: "إنها بحثت عن جثة قورش، وعندما وجدتها، قطعت الرأس، ودسته في زق جلدي مملوء بالدم صائحة: رغم أنني انتصرت عليك وأعيش الآن، فإنك قد دمرتني بأخذ ولدي، وانظر كيف أنفذ تهديدي، فلديك ما يشبعك من الدم".
وبعد موت قورش انحلت الإمبراطورية الفارسية، وأصبحت في ذمة التاريخ.
وتفسير ما حدث أنه لا شيء يسكر أكثر من النصر. وهو ما يحصل مع أمريكا هذه الأيام. وأكبر تحد ليس في المعركة بل بعد المعركة. وهزيمة الأنظمة سهل، وأسهل من ذلك كنس الطغاة، ولكن التحدي الأعظم في مواجهة الشعوب.
وكما يقول المؤرخ (هـ. ج. ويلز) إن مجرى التاريخ ليس كما تخططه القوى العظمى. ويحدث أحيانا أن تأتي النتيجة عكس ذلك.
ومنه قول الله تعالى "إن كيد الشيطان كان ضعيفا".
ويقول مالك بن نبي إن الاستعمار شيطان، ولكنه بصفعته يوقظ الشعوب.
وكان (سقراط) يرى في ذباب الخيل فائدة تدفع الخمول.
وكان نابليون يرى أن الخطر الأعظم يأتي في لحظة الانتصار. ويحذر (روبرت جرين) في كتابه شطرنج القوة، في القانون 47، بأن لحظة الانتصار قد تدفع إلى الغطرسة والثقة المفرطة بالنفس، والاندفاع إلى ما هو أبعد من الهدف الموضوع، وخلق أعداء أكثر من الذين يمكن دحرهم، ويوصي: ألا تدع النجاح يدير رأسك ويفقدك صوابك ويطيح باتزانك, وضع نصب عينيك هدفا، وعندما تصل إليه توقف".
ولكن إذا اعتاد النمر أكل لحم الإنسان استعذبه، فلم تمنعه طلقة الصياد.
ويقول (توينبي) عن مناط الحقيقة "إن السيف الذي انغمس في الدم لن يحال بينه وبين العودة إليه".
وجميع أولئك الذين يتخذون السيف، بالسيف يفنون.
والشيء الوحيد الذي لا يمكن فعله بالحراب الجلوس على أسنتها.
وفي القرآن ذهب مثل السيئ، "ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون.