قراءة متروية لقضية حميدان التركي

قراءة متروية لقضية حميدان التركي

عرفت حميدان التركي وعايشته إبان دراستي في أمريكا، وكان رجلا بمعنى الكلمة في التزامه وخلقه ومواقفه ووطنيته وتعامله مع الناس من بني جلدته والأطياف الأخرى بما فيها الشعب الأمريكي، وتعود معرفتي بحميدان إلى ست سنوات مضت من خلال أنشطة نادي الطلبة السعوديين بمدينة دنفر بولاية كولورادو، وقبل مغادرتي لأمريكا بأشهر عرفت حميدان عن قرب اكتشفت فيها أصالة معدنه وصفاء جوهره ونقاء سريرته حتى إني توجهت إليه يوماً قائلاً "لعل من سوء حظي أني لم أعرفك إلا متأخراً".
كان حميدان فاعلاً على جميع الأصعدة، فدوره في الجامعة كان نشطًا وعلاقاته الودية امتدت إلى الجميع من زملاء ومدرسين، وكان يستغل أنشطة المنظمات الطلابية لنشر سماحة الإسلام والتعريف بأصالة الوطن، وفي النادي السعودي كان حميدان أحد الأعمدة الرئيسية الداعمة لبقاء النادي واستمراريته في أداء دوره كملتقى للطلبة السعوديين، وكان يبادر إلى تقديم المساعدة للطلبة الجدد الذي كان بعضهم يعرف اسم حميدان وهاتفه قبل وصوله أمريكا، ومازلت أتذكر دعوته للطلبة العزاب للإفطار على مائدته في رمضان أكثر من مرة خلال الشهر الكريم.
من خلال مكتبة البشير التي يملكها، أسهم حميدان في نشر الدعوة الإسلامية في أمريكا حيث قامت المكتبة بترجمة أمهات الكتب الإسلامية وبيعها وتوزيعها على المراكز الإسلامية، وقامت بترجمة بعض الكتب الحديثة التي لاقت استحسان غير المسلمين حيث سلطت الضوء على مناطق مظلمة تستعصي على الإدراك والفهم، وأذكر مرة أنه قال لي إن كتاب عالم الجن والشياطين للأستاذ عمر الأشقر الذي قامت المكتبة بترجمته ونشره قد حقق مبيعات كبيرة في السوق الأمريكية.
من الجهة الأخرى كان حميدان يحتفظ بعلاقة جيدة مع الشعب الأمريكي فابتسامته التي لا تفارق ثغره ودماثة خلقة كانت لغة الوصول إلى القلوب، وكان يحث دوما على حسن المعاملة والصدق في التعامل لإيصال رسالة نبيلة وصادقة عن الشعب السعودي المسلم.
مع وبعد كل ذلك ماذا حل بحميدان؟ سؤال مركب يكتنفه الغموض والريبة والشك بالنوايا، هل اقترف حميدان ذنبا يبرر للسلطات الأمريكية اعتقاله وتوجيه المحاكم حكماً مؤبداً بحقه؟ لعل القراءة المتروية لما حدث توضح أن حميدان وقع ضحية لتباين ثقافي وحضاري وتصفية لحسابات أمنية وسياسية، لعل البعد الحضاري والثقافي يعود إلى أن حميدان كان يتعامل مع خادمته ضمن إطار القيم والمبادئ السائدة في المجتمع السعودي ولم يخطر ببال حميدان يوما أن يكون هذا مصدرا لتجريمه ومحاكمته، وإذا كان حميدان قد خالف بعض الأنظمة فهل هذا يقوده إلى الحكم المؤبد؟، ثم لماذا الاهتمام بقضية خادمة حميدان وبأسلوب معاملته لها في هذا الوقت بالذات؟ سؤال يرتبط بحلقات وأبعاد أخرى.
خرجت أمريكا بعد سبتمبر 2001 مجروحة مخدوشة في أمنها وكرامتها وسيادتها، وتعاطت الحكومة الأمريكية مع ذلك بانفعال بالغ حيث كشر النظام الأمريكي عن أنياب القمع والملاحقة وتضييق الحريات وفرض قانون الباتريوت الذي لا يختلف كثيراً عن قوانين الطوارئ في دول العالم الثالث، ضيقت الحكومة الخناق على المهاجرين العرب والمسلمين والتجمعات الطلابية وطاردت قضائيا ً(وبأثر رجعي في حالات عديدة) العديد من المسلمين بقضايا ومخالفات لم تكن الحكومة تعير لها بالاً من قبل ومنها مواضيع الهجرة وأوراق الطلاب الثبوتية والمرور وحتى فواتير المنافع العامة.
وقع حميدان ضحية لهذا الاستنفار وبدأت السلطات تنبش ملفاته واحدا تلو الآخر، وبدأت بمكتبة البشير التي تمارس نشاطها حسب النظام، وعندما لم يتم العثور على أي مخالفة نظامية تتعلق بالمكتبة، توجهت للملفات الأخرى وتم استغلال وضع الخادمة وتوظيف الحالة على أنها انتهاك للحريات وهدر للكرامة الإنسانية التي تدافع عنها أمريكا وتتبناها، ولن أستفيض هنا في تفاصيل دعاوى الاتهام والجلسات, ولكن من الواضح أن ما حدث كان مدبرا، وحتى لو كان حميدان مذنبا بشكل جزئي فهل يكون التعامل معه بهذه الحدة والافتئات؟ فلا يمكن لأحد أن يتصور الآثار النفسية لحميدان وعائلته وقد وجدوا أنفسهم ذات ليل بهيم أسرى القيود والأغلال وكأنهم أعتى المجرمين.
ماذا بعد؟ ماذا نستطيع أن نفعل لنصرة حميدان؟ سؤال يطرحه الكثيرون والإجابة عنه بسيطة، بمقدور أي إنسان نصرة قضية حميدان من خلال الدعم المعنوي، ومن ذلك زيارة موقع حميدان على الإنترنت
<p><a href="http://www.homaidanalturki.com">www.homaidanalturki.com</a></p>
وتسجيل الاسم في سجل المناصرين لحميدان وزوجته، وتوصيل الحالة إلى منظمات حقوق الإنسان والمؤسسات الحقوقية الأخرى لحشد الدعم المعنوي، نعم يمكن عمل الكثير، يمكن تحويل واقعة حميدان إلى قضية رأي عام وتصعيدها أو الدعاء له كأضعف الإيمان، فعلى الجانب الرسمي كان التعاطي والاهتمام بقضية حميدان كبيرا من رأس الهرم من مقام خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والمطلوب تعاط شعبي مواز.

د. صالح السحيباني
اقتصادي سعودي

الأكثر قراءة