أشد الناس حسداً
تقول الرواية إن ملكاً فيما سبق من أيام الزمان سأل وزيره في جلسة مصارحة إنني أتعجب من جشع الناس وتحاسدهم وأرى الناس من حولي يتباغضون فإن أعطيت أحدهم ملء الأرض ذهباً طمع في ما في يد الآخر من فضة ومتاع، وحتى لو منحت أحدهم البسيط من اللباس والقليل من الطعام حسدوه عليها. فهل هذه خصلة في كل البشر؟ وإلى أي مدى يا ترى يصل حسد الناس لبعضهم البعض؟
قال الوزير حفظك الله أيها الملك العادل وزادك حكمة وكرماً فإن خصال الناس تعرف بأربع: الكرم والشجاعة والحكمة والعفة فإن الكريم يحبه الله والناس، وإن العفيف يزهد في ما في أيدي الناس ولو كان به إليه خصاصة، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، وإن الحكيم لا يضحك عليه الماكرون وهو لا يمكر بأحد، وإن العدل هو الميزان الذي قامت به السموات والأرض.
قال الملك فهل تعرف أو تصف أو تجد من هو أحسد الناس؟ قال الوزير أيها الملك العادل الكريم: إنه لأمر صعب تعريفه ولكنني فاعل ما أنت تأمرني فلسوف أبحث لك بين الناس حتى أجد من هو أشد الناس حسداً. وإن كنت أعرف أن الحسد يأكل قلب صاحبه. وهو مرض لا يرتفع إلا بتقدير نعمة الله على المرء وأن العافية هي تاج الصحة وأن المرء إن بقي آمنا في سربه عنده قوت يومه فعلى الدنيا العفاء.
ثم إن الوزير قام لتوه وبدأ يعمل عقله أين يجد ذلك الحسود الذي يفوق الناس طرا في جرعة الحسد. وبينما هو في طريقه إلى منزله خطر له أن يأوي إلى المقبرة فيدعو الله ويتذكر من مات من الناس فلم يعودوا يملكون شيئاً ولا أحد يذكرهم وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما، وليس هناك من مكان آمن هادئ مثل عالم القبور فهي تذكر بالآخرة وتعتصر القلب بالذكرى وتعلم التواضع وأن كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
وبينما هو في هدأة الليل البهيم إذا برجلين متلفعين بالسواد قد قدما وهما يتحدثان ثم ما لبثا أن وقفا أمام قبر قد بني من صرح الرخام الجميل وكأنه لرجل ثري.
قال أحدهما للآخر انظر إلى هذا البناء الرائع كم هو جميل وكم دفعوا من مبالغ طائلة في استجلاب هذا الحجر بعد شقه من الأرض ونحته ثم الكتابة عليه فلا تضيع ذكرى صاحبه.
نظر الثاني إليه وقال: ليته لي؟
قال الوزير في نفسه إنه حسود عجيب حسد حتى الموتى في قبورهم فلا أظن أنه بعد هذا من حسود.
ثم ما لبث أن تتبعهما حتى عرف مآلهما وأين يسكن الحسود.
ذهب الوزير إلى الملك في اليوم التالي وهو يقول لقد عثرت لك على ضالتك ولا أظن أنني سوف اجتمع بمن هو أشد حسدا. قال الملك أحضروه.
ارتعب الحسود حتى طمأنوه أن الملك يريد مكافأته فهرع إلى القصر. وعندما دخل حجرة الملك لمعت عيناه بالحسد ولكنه أخفاها لحاجة في نفسه. قال له الملك أيها القادم إلينا لقد سمعنا من أخبارك الطيبة ما يجعلنا نكافئك وإنني أعرض عليك هديتي وجزيل عطائي ولكن بشرط أظنه لن يضيرك في شيء. قال الحسود: وما هو يا سيدي؟ قال الملك: أنني أريد أن أكافئك بالجمال والملابس والعطايا ولكن بشرط أن أعطي صاحبك ضعف ما أعطيك فإن أعطيتك مائة أعطيته مائتين وهكذا فماذا تقول؟ وتمنى الآن. نظر الحسود فيمن حوله وقد نشف ريقه، وزاغت عيناه، وقال نعم أيها الملك: هل ستفعل له ضعف ما ستفعل لي؟
قال نعم.
قال أتمنى عليكم قلع عين واحدة مني، فتقلع عينيه الاثنتين كما وعدت؟!
إن الإنسان لظلوم كفار.