إعادة الهندرة .. في الخطوط السعودية

<a href="mailto:[email protected]">dr_saaty@Yahoo.com</a>

تعتبر مؤسسة الخطوط العربية السعودية من أهم المرافق التي أنشئت في البواكير الأولى من إنشاء المؤسسات الحكومية، وبحكم أنها من مؤسسات الوجاهة فقد كانت وما زالت مقصدا لكثير من الشباب الطموح الذي كان يحلم بالحصول على وظيفة في الخطوط السعودية.
والحقيقة أن الحكومة كانت تعتبر الخطوط السعودية واجهة من واجهات المؤسسات الحكومية وكانت دائما تضعها في حدقتي عينيها وتدعمها بالمال والرجال والاستقلال، وظلت الدولة تحنو على الخطوط السعودية وتمنع عنها المنافسين طوال ما يقرب من 60 عاماً.
وهكذا ظلت الخطوط السعودية المؤسسة الحصرية الوحيدة الراعية للنقل والشحن الجويين في المملكة العربية السعودية لأكثر من ستة عقود.
ولكن في تاريخ الخطوط السعودية الكثير من التقلبات الرتيبة، وكانت الخطوط كلما تغير الرئيس التنفيذي للمؤسسة (المدير العام) فإن موظفي الخطوط على موعد مع سلسلة من التغييرات الواسعة في مختلف مناحي ومستويات التنظيم الإداري وبالذات التغيير في القيادات الإدارية بحيث يستبعد الموظفون القدامى ويحل محلهم جدد.
لقد استمرت الأوضاع في الخطوط السعودية بين مد وجزر حتى صدر أمر ملكي بتعيين الدكتور خالد بكر ـ وهو من خارج الخطوط - في منصب مدير عام المؤسسة، بمعنى أن النموذج الإداري المعروف باسم (صالا سيستم) الذي صممه المفكر الإداري الأمريكي فريد رجز في كتابه "الإدارة في الدول النامية".. تجسد في إدارة الخطوط السعودية وأصبحت الشللية والنيبوتيزمية سلوكيات شائعة في كل أوساط ومستويات الإدارة حتى أصبح الموظفون بارعون في تصميم الشائعات وتضفير خصل الكيد وإرسالها عبر مختلف وسائل الاتصالات البريدية والإلكترونية حتى أصبح الموظفون مشغولين بتصميم وتوزيع الإشاعات المغرضة أكثر من اهتمامهم بالإنتاجية وتحسين الأداء. وهكذا انعكست هذه الأعمال السلبية سلباً على مجمل أداء المؤسسة، وكان مشروع الخصخصة ضحية من ضحايا البيروقراطية التي كتبت للخصخصة حبوبا مخدرة جعلتها تسترخي في الأدراج لسنوات طويلة.
والآن صدر أمر ملكي بتعيين المهندس خالد بن عبد الله الملحم مديرا عاما للخطوط خلفا لزميله الدكتور خالد بكر وهو أيضا من خارج الخطوط، ولكنه يحمل على صدره شهادة إنجاز مشروع خصخصة شركة الاتصالات التي حققت إنجازات غير مسبوقة في غضون سنوات قليلة..
وإذا كان مشروع الخصخصة هو الملف الرئيسي المطروح أمام المدير العام الجديد، فإن التغيير في الخطوط السعودية في هذه المرة سيكون مغايرا لكل التغييرات التي شهدتها الخطوط السعودية في الستين عاما الخالية ..
إن المشهد الإداري في الخطوط السعودية يحتاج إلى وقفة وإلى إمعان النظر فيما سيؤول إليه الوضع الاقتصادي في المؤسسة، فالرجل غير الرجال السابقين، والوقت غير كل الأوقات السابقة، والمنافسة الإقليمية والعالمية غير المنافسة التقليدية الغابرة، والتغيير لن يكون على أساس الولاء واختيار الأعوان والمحاسيب والأنصار، وإنما التغيير سيكون على معيار الجدارة والاستحقاق، وسوف يقدم الموظف نفسه ليس بانتمائه الشللي، ولكن بكفاءته وبالذات كفاءته في تكنولوجيا الطيران التي ستحدث الفارق وتضع الخطوط السعودية في مصاف كبريات شركات الطيران العالمية، وأمام المدير العام المهندس خالد الملحم قائمة محددة من التطلعات والمطلوبات التي يؤمل أن تحدث النقلة النوعية والهيكلية في المؤسسة التي ترهلت بالمشاكل والمعوقات على مدى ستة عقود..
بمعنى أن الخطوط السعودية تحتاج إلى عمليات إصلاح واسعة وتحتاج إلى إعادة اختراع في زمن وضعت فيه منظمة التجارة العالمية التي أصبحنا أعضاء فيها معايير عالمية للمنافسة لتحقيق الإنجاز واحتلال المقدمة، وسط منافسين متعددي المهارات والإمكانات.
وأحسب أن أمام المهندس خالد الملحم مجموعة من المداخل الهادفة إلى تحقيق الإصلاح الإداري وإعادة الهيكلة، فإن من أكثر المداخل ملاءمة لمؤسسة الخطوط هو مدخل إعادة الهندرة أو إعادة البناء Reengneering ويعتبر هذا المدخل أحد المناهج العلمية العصرية التي بدأت تفرض نفسها بقوة في أدبيات علوم الإدارة وعلى كبريات شركات الطيران العالمية.
وما يجب أن نضعه في الاعتبار أن لعمليات إعادة الهيكلة ضحايا إما عن طريق التنسيق الوظيفي وإما عن طريق التخفيض في المستوى الوظيفي. ولذلك فإن المناخ الوظيفي في أروقة الخطوط السعودية في هذه الأيام ينقسم إلى موظفين تسعى إليهم البطاقة الذهبية، وموظفين تعرض عليهم وظائف جديدة رفيعة المستوى.
دعونا نضع أمام المهندس خالد الملحم هذه المجموعة من المقارنات العارضة لواحدة من خطوط الطيران التي سجلت في منافساتها اليومية تقدما على الخطوط السعودية، والمقارنة في هذه الأيام بين ما يتحقق من مشروعات في السعودية وفي دولة الإمارات وبالذات على صعيد الاقتصاد والإدارة .. مقارنة مطروحة باستمرار، ونذكر ـ على سبيل المثال ـ أن "طيران الإمارات" نشأت قبل عشرين عاما بينما تأسست الخطوط السعودية قبل ستين عاما ونيفا. وعلى صعيد الأرباح حققت "طيران الإمارات" أرباحا تصل إلى الضعف قياسا بالأرباح التي حققتها الخطوط السعودية في السنتين الأخيرتين. وبالنسبة لأسطول "طيران الإمارات" فلقد وقعت على شراء 92 طائرة، منها 45 طائرة من طراز A.380 العملاقة ذات الطابقين بقيمة إجمالية مقدراها 12 مليار دولار، بينما الخطوط السعودية تعاقدت على شراء 15 طائرة "امبراير" من البرازيل. وفي الوقت الذي وضعت "طيران الإمارات" اسمها على خريطة النقل الجوي، وبلغت مرحلة الاعتماد على الموارد الذاتية، فإن موازنة الخطوط السعودية ظلت مدمجة مع ميزانية الدولة لتغطية خسائرها السنوية لسنوات استمرت لأكثر من 50 عاما.
وفي حين كانت رؤية "الإمارات" تكمن في تطوير ناقلة عالمية تعزز موقع دبي الاستراتيجي ليكون أحد محاور التجارة والسياحة العالمية، فإن الخطوط السعودية لم تستطع تلبية الطلب، وواضح أن وضع الخطوط السعودية على خريطة المنافسة الإقليمية ليست من الأمور اليسيرة بل أصبحت تخضع لمعايير التنافسية العالمية.
وفوق ذلك فإن الخطوط السعودية شأنها شأن المؤسسات الحكومية الأخرى تعاني من ضعف في القوى العاملة .. تفتقر إلى التدريب والقدرة على التحديث والابتكار والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة التي وضعت الموظف في خطوط الطيران بكفاءاته الدولية جنبا إلى جنب مع كفاءاته المحلية.
وإذا كانت إدارة الدكتور خالد بكر قد حققت ولأول مرة في تاريخ الخطوط أرباحاً صافية للمؤسسة في السنوات الثلاثة الأخيرة وهو إنجاز يحسب له بمداد من نور، فإن المهمة المطلوبة، من الإدارة الجديدة، هو تحويل الخطوط السعودية إلى شركة قابضة تتبعها مجموعة شركات تحقق للخطوط السعودية لأول مرة مبدأ تنويع مصادر الدخل وزيادة الأرباح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي