الموت في "جوانتنامو"

الانتحار المزعوم لثلاثة سجناء في خليج جوانتنامو ألقى الضوء على هؤلاء الرجال المنسيين، ولا أخفي شعوري بالغضب والمرارة إزاء الصمت المخزي للأمة الإسلامية والشعوب المحبة للسلام في العالم على مأساة هؤلاء السجناء.
لقد صمتت هذه الأمة، التي هي خير أمة أخرجت للناس، كما صمتت الشعوب المحبة للحرية والسلام، في الوقت الذي يتعرض فيه هؤلاء الرجال المساكين إلى أشد أنواع التعذيب النفسي والبدني في القاعدة الأمريكية في جوانتنامو.
لقد تخلينا عن هؤلاء الضحايا الأبرياء، بينما هم يمرّون بأشد وأقصى مراحل التعذيب والاضطهاد، ولم تهتم أمريكا بانتقادات المنظمات الدولية لحقوق الإنسان ولم تأبه بمناشدات الهيئات القانونية الأمريكية وواصلت احتجاز هؤلاء الضحايا الأبرياء من دون محاكم أو تحقيق.
واحتجاز السجناء في جوانتنامو لمدة غير محدودة مع حرمانهم من أبسط حقوق مجرمي الحرب يشين سمعة أمريكا، ويلقي عليها ظلالا سوداء قاتمة.
ليست هناك أية قضية ولا يوجد دليل يدين هؤلاء السجناء ويثبت تهمة ارتكاب الجرائم عليهم، وهم ببساطة شديدة قد وجدوا أنفسهم في المكان الخاطئ والزمان الخاطئ.
ويبرهن صدق كلامي قصة خمسة من التجار المسلمين الصينيين الذين كانوا في طريقهم إلى تركيا عبر أفغانستان لبيع السجاد، ولما وجدوا أنفسهم وسط جحيم النيران الأمريكية، هربوا إلى باكستان المجاورة، حيث رحب بهم رجال القبائل المحلية قبل أن يأخذوهم إلى أحد المساجد ثم يسلموهم إلى القوات الأمريكية مقابل خمسة آلاف دولار أمريكي للرأس الواحد.
إن زعماء القبائل على الحدود الباكستانية الأفغانية يبيعون أي شخص وأي شيء مقابل الحصول على النقود.
وحادثة أخرى مشابهة هي قصة الشاب الباكستاني الذي ذهب إلى قاندهار للعمل في السلك التعليمي فوجد نفسه قابعا في جوانتنامو.
وكان هذا المصير نفسه هو مصير أحد نواب رئيس تحرير صحيفة إنجليزية هو بعيد كل البُعد عن الإسلام!!!
وهذا يؤكد جهل القوات الأمريكية في أفغانستان وجهل قادتها، فبالنسبة إليهم أن أي إنسان ملتح هو من مناصري طالبان الذين كان مصيرهم جوانتنامو.
أما السعوديون الموجودون في هذا السجن القبيح، فقد كان معظمهم يعمل في هيئات الإغاثة وفي الأعمال الخيرية في أفغانستان.
لقد كنا في السابق نشجع الشباب على الذهاب إلى أفغانستان، وأذكر أنه خلال حرب الجهاد الأولى ضد الاحتلال الروسي كان يتم تشجيع الناس من مختلف المستويات على الذهاب إلى أفغانستان، وكانت مرتباتهم تصرف لهم وهم بعيدون، ولكن عندما انتهت الحرب، وعاد معظمهم إلى بلادهم كانت الحكومات تنظر اليهم بعين الشك والريبة بل إن بعضهم قد زج بهم في السجون حيث لم تكن توجد برامج لإعادة تأهيلهم.
وقد ذهبت بعض العائلات بعيدا إلى حد أنها أنكرت أبناءها الذين عانى بعضهم من الاختلالات العقلية.
مَن إذن الملام؟ إننا كمجتمع يجب أن نقبل اللوم على أنفسنا، وأن نحاول عمل شيء إزاء القابعين بعيدا في جحيم جوانتنامو، ومن المحزن أننا قد نسينا هؤلاء المساكين الذين يتعرضون إلى أقصى أنواع التعذيب على يد الجلادين الأمريكيين الذين يشعرون بالفخر والاعتزاز، لأن هؤلاء المحبوسين لا يزالون يصنفون "كأعداء محاربين".
لقد لعبت السلطات الأمريكية دورا قبيحا وقذرا، فهم قد سمحوا للمحققين الصينيين باستجواب المعتقلين الصينيين الخمسة، لكن في الطريق إلى جوانتنامو أوقفوهم في كل الدول التي تبيح التعذيب، حيث تم تعذيبهم قبل وصولهم إلى كوبا.
هذه هي أمريكا التي تدعي أنها المدافع الأول في العالم عن حقوق الإنسان!!!!
ولم يجرؤ أحد على الحديث أو الانتقاد بخلاف عدد ضئيل من المنظمات الخاصة في أمريكا، لكن لم يكن صوتها مسموعا أو قويا.
والآن مات مانع تركي العتيبي، وهو شاب في التاسعة والعشرين، كما مات ياسر طلال الزهراني وهو في الثانية والعشرين، وقد كان في السابعة عشرة من عمره عندما تم اعتقاله.
لقد ماتوا بعد أن تعرّضوا للتعذيب، والقهر، والاضطهاد دون أن يعرفوا شيئا عن جريمتهم،، أين نحن من كل هذا ؟
ألا يجب أن نخجل من أنفسنا ؟ لماذا آثرنا الصمت ولم نطلب من الذين يدعون أنهم أصدقاء العرب في أمريكا لعمل شيء ما؟؟
إن ما حدث للسجناء الثلاثة الذين تدعي أمريكا أنهم انتحروا هو إدانة صريحة لأمريكا ولسياستها غير الإنسانية.
وأرى أنه من واجب كل سعودي وسعودية الكتابة إلى الكونجرس الأمريكي وإلى الجهات القانونية في الولايات المتحدة، وإلى أصدقاء السعودية في أمريكا وإلى العرب هناك للمطالبة بإغلاق معسكر جوانتنامو وإطلاق سراح المعتقلين فيه.
كما يجب أن نطالب بالتحقيق مع هؤلاء المعتقلين حتى تثبت براءتهم أو تتم إدانتهم، لأن احتجازهم من دون محاكمة هو عار على أمريكا وعلى الإنسانية جمعاء.
يجب ألا نخجل أو نتحرج من إسماع صوتنا ضد الظلم الأمريكي، وأن نواصل الاحتجاج حتى تزيد وتيرة الضغط على أمريكا فتضطر مرغمة إلى إصلاح أخطائها في جوانتنامو.
كما يجب أن ننشئ جماعات الدعم لأسر هؤلاء المعتقلين لكي نقلل من معاناتهم، وأن نطلب كذلك من السلطات النظر إلى المفرج عنهم من جوانتنامو بعين العطف والرحمة لأنهم أبناؤنا وإخواننا.
والله أسأل أن يرحم الذين ماتوا في جوانتنامو، وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان وحسن الجزاء.

رئيس تحرير "عرب نيوز"
رقم الفاكس 6393223

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي